تجسيد النموذج الصالح الخلافة النبوة

الأمر الأول: تجسيد النموذج الصالح الخلافة النبوة في العدل والزهد، والارتباط بالله عز وجل والفناء في ذاته، والخلق الرفيع والتواضع، والاهتمام بعامة الرعية وحفظ كرامتهم وإشعارهم بعزتهم، وحسن الإدارة ورعاية مكارم الأخلاق حتى مع الأعداء، والحفاظ على حرفية التشريع والعلم المستوعب له، والاستغناء عن الغير فيه وفي جميع جهات الثقافة والمعرفة الإلهية وغيرها، والكرامات الباهرة والإخبارات الغيبية الكثيرة الصادقة.

ثم الإصرار على المواقف والمبادئ الشريفة، والبعد عن الاستئثار، والإباء عن طلب النصر بالجور وإن انتهى الأمر إلى التضحية بالسلطة. والتأكيد على أن السلطة وسيلة لإقامة الحق، وليست غاية له (عليه السلام) يضحي من أجلها به.

كل ذلك مع التأكيد على الارتباط بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأخذ منه والجري على عهده له (عليه السلام) بنحو يناسب ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) وشاع بين المسلمين من أنه (عليه السلام) وصيه وباب مدينة علمه وحكمته وصاحب عهده وسره والمبلغ عنه وخليفته في أمته وولي الأمر من بعده بعهد من الله عز وجل.

وقد أثبت (صلوات الله عليه) بذلك أن خلافة النبوة والاستقامة في طريق الحق والحفاظ على حدود الدين ليست مجرد تنظير غير صالح للتطبيق، أو قابل لأن يتراجع عنه أو عن بعض حدوده في مقام العمل اكتفاء بالتسميات وإعلان الانتساب للكيان الديني الذي قامت عليه السلطة وكسبت شرعيتها منه. كما جرت عليه كثير من الكيانات والدعوات المختلفة الدينية وغيرها، حيث تنازلت في مقام التطبيق والعمل عن كثير من حدود مبادئ كياناتها التي ابتنت عليها شرعيتها.

وبذلك كان (عليه السلام) مثالاً حياً حجة لله تعالى على عباده، يطلب الاقتداء به على امتداد عصور الإسلام المختلفة، ومذكراً بالحق الذي يفترض فيمن يحكم باسم الدين مراعاته والجري عليه. لئلا تضيع معالم الحق والدين في خضم المبررات المختلفة التي يتشبث بها المنحرفون حفاظاً على سلطانهم، أو إشباعاً لشهواتهم ونزواتهم، أو إمعاناً في جبروتهم وطغيانهم.