جهود الخاصة في التعريف بمقامه (عليه السلام) وكشف الحقيقة

وهنا جاء دورهم ليقوموا بمهمتهم الكبرى التي أعدوا لها، وذلك ببيان الحقيقة والدعوة لها، من أجل أن يكون التغيير المتوقع لصالحها، لا للأسوأ، أو من أجل إقامة الحجة على الناس لو لم يتقبلوها، ويؤدوا وظيفتهم إزاءها.

ولا يتيسر لنا فعلاً الاطلاع الكافي على مفردات ما حصل، إلا أن خير شاهد على ما ذكرنا هو هتاف الجماهير باسم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أواخر أيام عثمان عند ظهور النقمة عليه، مع أنه (عليه السلام) كان أخفّ النفر على عثمان.

نعم من المظنون قوياً أن الأمر مع عامة الناس لم يكن يتجاوز بيان الفضائل التي تقتضي تقديمه على غيره من الموجودين. بل ربما على جميع المسلمين حتى على الشيخين. لكن من دون تركيز على النص القاضي باختصاص الحق به وبذريته، وعدم شرعية خلافة من سبق، كما هو مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم). لعدم تهيؤ عامة المسلمين نفسياً لذلك، وعدم تقبلهم له.

ولا سيما أن سيرة عثمان، وتدهور الأوضاع في عهده، وظهور الخلاف والشقاق في الكيان الإسلامي بعد استقراره، قد أكدت في نفوسهم ما سبق من احترام الشيخين أو تقديسهما، نتيجة انتشار الإسلام في عهدهما، وما استتبعه من الغنائم التي لم تكن العرب تحلم بها، وألقاب التمجيد والأحاديث التي وضعت في تلك الفترة، كما سبق.

مضافاً إلى أن في المعارضة لعثمان عناصر مهمة هي على خلاف خط أهل البيت، والاعتراف بالنص يفوّت عليها أطماعها. كما أنها تهتم بالتركيز على سيرة الشيخين وتمجيدهما، من أجل التنفير من عثمان، والتهريج عليه.

وإذا كان النص قد ذكر وركز عليه فمن القريب أن يكون ذلك مقتصراً على القليل من ذوي التعقل والدين، ممن يهمه معرفة الحقيقة والوصول إليها.

وعلى كل حال فقد أدت الخاصة من شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - فيما يظهر - دورها الذي أعدت له، وحققت خدمة كبرى للحقيقة المضطهدة، التي عُتّم عليها في الفترة السابقة.

وبالمناسبة يقول ابن قتيبة عند عرض أحداث واقعة الجمل: ((فلما قدم على طيء أقبل شيخ من طيء قد هرم من الكبر، فرفع له من حاجبيه، فنظر إلى علي، فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال: نعم.

قال: مرحباً وأهلاً... لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك، لقرابتك من رسول الله ﷺ، وأيامك الصالحة. ولئن كان ما يقال فيك من الخير حقاً إن في أمرك وأمر قريش لعجباً، إذ أخرجوك وقدّموا غيرك...))[1].

وبذلك ظهرت ثمرة الصبر والموادعة من أجل الحفاظ على هذه الثلة الصالحة، وعدم التفريط بها في مبدأ الانحراف في السلطة، عند ارتحال النبي (صلى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى.

 


[1] الإمامة والسياسة ج: ١ ص ٥٢ استنفار عدي بن حاتم قومه لنصرة علي (رضي الله عنه).