المقام الأول
في جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)
وجهود الخاصة من الصحابة
والتابعين الذين كانوا معه
أشرنا آنفاً إلى أن قيام السلطة بعد انحرافها عن خط أهل البيت بالفتوح الكبرى - وما استتبعها من الغنائم العظيمة - كان هو السبب في نشر الإسلام بواقعه المنحرف.
كما أن له أعظم الأثر في احترام الإسلام المذكور، واحترام رموزه في نفوس عامة المسلمين، خصوصاً بعد ما سبق من التحجير على السنة النبوية، ومنع الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) إلا بما يتناسب مع نهج السلطة وتوجهاتها، ولو بوضع الأحاديث، والكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) لصالحها.
إلا أن الانحراف لما ابتنى على عدم نظام للسلطة، فقد صارت السلطة معرضة لأن تكون مطمعاً لكل أحد من قريش قبيلة النبي (صلى الله عليه وآله) - التي ابتنى الانحراف في الإسلام الفاتح على اختصاص حق الخلافة بها، من دون فرق بين قبائلها - مهما كان حال الشخص ومقامه في الإسلام.
وقد روي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنه قال لما بويع أبو بكر: ((كرديد نكرديد. أما والله لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله))[1].
تخوف عمر بن الخطاب من أطماع قريش
كما أن شدة عمر بن الخطاب وضيق بعض الصحابة من ذلك - على ما سبق في حديث طلحة وغيره [2]- جعلته يخشى من محاولة قريش التخلص منه أو الخروج عليه.
حتى إنه لما طعن لم يبرئ الصحابة من التآمر عليه، بل سألهم فقال: ((عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟)). فتبرؤوا من ذلك وحلفوا[3].
وقد أدرك أن عامة المسلمين المنتشرين في أقطار الأرض، ما داموا في سكرة الفتوح والغنائم والانتصارات، فهم في غفلة عن كل تغيير، بل هم يستنكرون ذلك، لما للسلطة ورموزها من الاحترام في نفوسهم.
[1] الإيضاح ص: 457-458.
[2] تقدم عند الكلام في تحجير السلطة على السنة النبوية وقسوتها في تنفيذ مشروعها.
[3] المصنف لعبد الرزاق ج: ١٠ ص: ٣٥٧ كتاب أهل الكتابين: باب هل يدخل المشرك الحرم. المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ۵۸۱ -۵۸۲ كتاب المغازي: ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، الاستيعاب ج: ٣ ص: ١١٥٣ - ١١٥٤ في ترجمة عمر بن الخطاب(رض). الطبقات الكبرى ج: ٣ ص: ٣٤٨ ذكر استخلاف عمر (ره). تاریخ دمشق ج: ٤٤ ص: ٤٢٠ في ترجمة عمر بن الخطاب. تاريخ المدينة ج: ٣ ص: ٩٠٤ دعاء عمر عند طعنه. شرح نهج البلاغة ج: ۱۲ ص: ۱۸۷. وغيرها من المصادر.