تبرير السلطة بعض مواقفها بالقضاء والقدر

وزاد في تعقد الأمر محاولة السلطة وأتباعها الاعتذار عن بعض مواقفهم الخاطئة وتبريرها بالقضاء والقدر. وكأنه قضاء قهري يكفي في العذر ورفع المسؤولية.

فعن ابن عباس في حديث له مع عمر عندما خرج إلى الشام أنه قال: ((فقال لي: يا ابن عباس أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل. ولم أزل أراه واجداً. فيمَ تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم. قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك. إنه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له. فقال: يا ابن عباس، وأراد رسول الله ﷺ الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟ ! إن رسول الله ﷺ أراد أمراً، وأراد الله غيره، فنفذ مراد الله تعالى، ولم ينفذ مراد رسوله. أو كلما أراد رسول الله ﷺ كان ؟!...))[1].

وقال الطبري في الحديث عن مقتل عمر والشورى: فخرجوا ثم راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين لو عهدت إلينا عهداً. فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولي رجلاً أمركم، هو أحراكم أن يحملكم على الحق - وأشار إلى علي - ورهقتني غشية، فرأيت رجلاً يدخل جنة قد غرسها، فجعل يقطف كل غضة ويانعة، فيضمه إليه ويصيره تحته. فعلمت أن الله غالب على أمره ومتوف عمر. فما أريد أن أتحملها حياً وميتاً. عليكم هؤلاء الرهط...)). ثم ذكر تدبير عمر في الشورى بما هو معروف مشهور[2].

فانظر إليه كيف جعل رؤياه مطابقة لقضاء الله تعالى وقدره، ومبرراً لتركه في اختيار من هو أحرى أن يحملهم على الحق، وتدبير أمر الشورى، مع أن من المظنون - إن لم يكن من المعلوم - أنه يؤدي إلى خلافة عثمان، الذي تفرس فيه أن يلي الخلافة، فيحمل بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس[3].

وقد استمرت السلطة على تأكيد هذا المفهوم، حتى تبلورت عقيدة الجبر، وظهرت في جمهور المسلمين. والحديث في ذلك طويل لا يسعنا استقصاؤه.

 


[1] شرح نهج البلاغة ج: ۱۲ ص: 78 - 79.

[2] تاريخ الطبري ج: ۳ ص ۲۹۳ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة: قصة الشورى.

[3] الاستيعاب ج: ۳ ص: ۱۱۱۹ في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). تاريخ دمشق ج: ٤٤ ص: ٤٣٩ في ترجمة عمر بن الخطاب. تاريخ المدينة ج: ٣ ص: ۸۸۱، ۸۸۳، ٨٨٤. تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ١٥٨ أيام عمر بن الخطاب. كنز العمال ج: ٥ ص: ٧٣٨ ح: ١٤٢٦٢، وص: ٧٤١ ح: ١٤٢٦٦. شرح نهج البلاغة ج: ١ ص: ١٨٦. بحار الأنوار ج: ٦ ص: ٣٢٦، وج: ١٢ ص: ٥٢، ٢٥٩، وج: ٣١ ص: ٣٩٤. وغيرها من المصادر.