ولعله لذا ضاقت الأمور بأُبي بن كعب. ففي حديث قيس بن عباد عنه قال: ((ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد - ثلاثاً - ورب الكعبة. ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكني آسى على ما أضلوا. قال: قلت: من تعني بهذا؟ قال: الأمراء))[1].
وقريب منه حديثه الآخر، لكن فيه: قلت: يا أبا يعقوب ما يعني به أهل العقد؟ قال: الأمراء))[2]. وقريب منهما أحاديث له أخر[3].
ومثله ما عن الحسن قال: قال حذيفة: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة. والله ما عليهم آسى، ولكن على من يهلكون من أصحاب محمدﷺ.
وسيعلم الغالبون العقد خط [حظ. صح] من ينقصون))[4].
بل يبدو أنه ضاق صدر أُبي بن كعب، فأراد أن يجهر بالحقيقة وإن تعرض للخطر. ففي حديث جندب بن عبد الله البجلي عنه قال: ((فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة. ولا آسى عليهم. أحسبه قال مراراً... ثم قال: اللهم إني أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله، لا أخاف فيه لومة لائم...))[5].
وفي حديث علي بن ضمرة عن أبي أيضاً: ((فقال: لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن فيها قولاً لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني...))[6].
لكنه لم يبق للجمعة، بل مات يوم الخميس أو يوم الجمعة، كما في تتمة حديثي جندب بن عبد الله وعتي بن ضمرة المتقدمين.
وعلم الله كيف مات وما سبب موته ؟!، إذ يبدو أن الوضع كان حرجاً، خصوصاً في عهد عمر. كما يناسبه ما تقدم في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عنه، والنظر في تاريخه وسيرته.
حتى إن السيد المرتضى(قدس سره) حينما ذكر أن غرض عمر من تدبير الشورى بالوجه المعروف هو التحايل لصرف الخلافة عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، تجنباً عن محذور التصريح بصرفها عنه(عليه السلام)، حاول ابن أبي الحديد الرد عليه، فقال:
((فقد قلنا في جوابه ما كفى، وبينا أن عمر لو أراد ما ذكر لصرَفَ الأمر عمن يريد صرفه عنه، ونصَّ على من يريد إيصال الأمر إليه، ولم يبال بأحد. فقد عرف الناس كلهم كيف كانت هيبته وسطوته وطاعة الرعية له. حتى إن المسلمين أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، ونفوذ أمره فيهم أعظم من نفوذ أمره (عليه السلام). فمن ذا الذي كان يجسر أو يقدر أن يراجعه في نصه، أو يرادّه، أو يلفظ - عنده أو غائباً عنه - بكلمة تنافي مراده؟!... فلقد كان أبو بكر وهو خليفة يهابه وهو رعية وسوقة بين يديه. وكل أفاضل الصحابة كان يهابه وهو بعد لم يل الخلافة... فمن كانت هذه حاله وهو رعية وسوقة فكيف يكون وهو خليفة قد ملك مشارق الأرض ومغاربها، وخطب له على مائة ألف منبر؟!...))[7].
[1] المستدرك على الصحيحين ج: ١ ص: ٢١٤ كتاب الصلاة: ومن كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، واللفظ له. صحيح ابن خزيمة ج: ٣ ص: ٣٣ كتاب الصلاة: باب ذكر البيان أن أولي الأحلام والنهي أحق بالصف الأول إذ النبي أمر بأن يلوه. الأحاديث المختارة ج: ٤ ص: ٢٩-٣٠ ما رواه قيس بن عباد البصري أبو عبد الله عن أبي بن كعب (رضي الله عنه). موارد الظمآن ج: 2 ص: ٩٥ كتاب الصلاة: باب في من يلي الإمام. وغيرها من المصادر.
[2] السنن الكبرى للنسائي ج: ۱ ص ۲۸۷ كتاب الإمامة والجماعة: من يلي الإمام ثم الذي يليه.
[3] مسند أحمد ج: ٥ ص: ١٤٠ حديث قيس بن عباد عن أبي بن كعب (رض). شعب الإيمان ج: ٦ ص: ١٥، مسند ابن الجعد ص: 197، حلية الأولياء ج: ١ ص: ٢٥٢ في ترجمة أبي بن كعب. تاريخ دمشق ج: ٤٩ ص: ٤٣٦ في ترجمة قيس بن عباد.
[4] المصنف لعبد الرزاق ج: ۱۱ ص: 322 باب الإمام راع.
[5] الطبقات الكبرى ج: ٣ ص: ٥٠١ في ترجمة أبي بن كعب، واللفظ له. الأحاديث المختارة ج: ٣ ص: ٣٤٦-٣٤٧ ما رواه جندب أظنه ابن عبد الله بن سفيان.. عن أبي بن كعب (رض). تاريخ دمشق ج: ٧ ص: ٣٤١ في ترجمة أبي بن كعب. وغيرها من المصادر.
[6] الطبقات الكبرى ج: ۳ ص: ٥٠٠-٥٠١ في ترجمة أبي بن كعب، واللفظ له. تاريخ دمشق ج: ۷ ص: ٣٤٠ في ترجمة أبي بن كعب. وغيرها من المصادر، تهذيب الكمال ج: ۲ ص: 270 في ترجمة أبي بن كعب. سير أعلام النبلاء ج: ۱ ص: ۳۹۹ في ترجمة أبي بن كعب، وغيرها من المصادر.
[7] شرح نهج البلاغة ج: ۱۲ ص: ۲۸۰-۲۸۱.