وعلى كل حال يبدو أن ظهور المنافقين وحديثي الإسلام في الساحة، وفسح المجال لهم، حملهم على الاستهتار، وجر أهم على أن يبوحوا بما في نفوسهم، ويجهروا به، من دون أن يراقبوا أحداً، أو يخافوا مغبة ذلك، بنحو قد يؤدي إلى تشوه المفاهيم المتداولة بين عامة المسلمين.
۱ - فعن عائشة أنه لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) اشرأب النفاق بالمدينة[1].
٢- وفي حديث حذيفة: ((إن المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبي ﷺ. كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون))[2].
۳- وعن أبي وائل عن حذيفة قال: ((قلت: يا أبا عبد الله النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله ﷺ؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوه! وهو اليوم ظاهر. إنهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله ﷺ))[3].
وفي حديث آخر عن أبي وائل أن حذيفة قال: ((بل هم اليوم أكثر، لأنه كان يومئذ يستسرونه، واليوم يستعلنونه))[4].
٤- وفي حديث آخر عن حذيفة أنه قال: ((إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله ﷺ فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات...))[5].
٥- وعنه أنه قال: ((إنكم اليوم معشر العرب لتأتون أموراً إنها لفي عهد رسول الله ﷺ النفاق على وجهه))[6].
٦ - وعنه أيضاً أنه قال: ((إنما كان النفاق على عهد النبي ﷺ ، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان)) [7].
٧- وقد مرّ أبو سفيان بقبر شهيد واقعة أحد أسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه)، فضر به برجله، وقال: ((يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به))[8].
۸- وكان يقول: ((اللهم اجعل هذا الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية))[9].
٩- وعن الحسن أن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه، فقال: ((قد صارت إليك بعد تيم وعدي. فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك. ولا أدري ما جنة ولا نار)). فصاح به عثمان: ((قم عني. فعل الله بك وفعل))[10]. قال ابن عبد البر: ((وله أخبار من نحو هذا ردية. ذكرها أهل الأخبار، ولم أذكرها))[11].
وإذا كان عثمان قد صاح به في هذه الواقعة فهو - إن صحّ - لا يزيد على رد فعل مؤقت، من دون أن يؤثر على علاقته به وبأولاده، ولا يمنع من تقريبهم وتمكينهم من مقدرات الإسلام والمسلمين.
١٠ - وباع معاوية سقاية من ذهب أو من ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: ((سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل)). فقال معاوية: ((ما أرى بهذا بأساً)). فقال أبو الدرداء: ((من يعذرني من معاوية؟! أخبره عن رسول الله ﷺ، ويخبرني عن رأيه. لا أساكنك بأرض أنت بها)). ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب (رض) فذكر له ذلك. فكتب عمر إلى معاوية أن لا يبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن[12].
۱۱ - كما باع معاوية الخمر[13].
۱۲ - وباع سمرة بن جندب الخمر أيضاً، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فقال: ((قاتل الله سمرة. ألم يعلم أن رسول الله ﷺ قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها))[14].
۱۳ - وروى عائذ بن ربيعة حديث وفد بني نمير على النبي (صلى الله عليه وآله). وقال في جملته: ((ثم دعا شريحاً، واستعمله على قومه، ثم أمره أن يصدقهم ويزكيهم... قال: ولم يزل شريح عامل رسول الله ﷺ على قومه، وعامل أبي بكر. فلما قام عمر (رض) أتاه بكتاب رسول الله ﷺ، فأخذه فوضعه تحت قدمه، وقال: لا. ما هو إلا ملك انصرف))[15]... إلى غير ذلك. وما رواه الشيعة من ذلك كثير.
وذلك يتناسب مع ما صدر من كثير منهم من التحريف في الدين والمواقف المشينة والأفعال الشنيعة التي تضمنتها كتب الحديث والتاريخ والسيرة مما لا يسعنا استقصاؤه. وربما يأتي في حديثنا هذا الإشارة لبعضه.
[1] السنن الكبرى للبيهقي ج: ٨ ص: ۱۹۹ كتاب المرتد: باب ما يحرم به الدم من الإسلام زنديقاً كان أو غيره. معرفة السنن والآثار ج: ٦ ص: ٣٠٤. المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٥٧٤ كتاب المغازي: ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص: ۲۹۱. أمالي المحاملي ص: ١٤٠. تاريخ خليفة بن خياط ص: ٦٥ الردة. تاريخ دمشق ج: ۳۰ ص: ۳۱۱، ۳۱۲، ٣١٤، ٣١٥ في ترجمة أبي بكر الصديق. فتوح البلدان ج: ١ ص: ١١٤ خبر ردة العرب في خلافة أبي بكر الصديق. بلاغات النساء ص: ٦-٧ كلام عائشة وخطبها. تاريخ الإسلام ج: ۳ ص: ۲۸ أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة: خبر الردة. وغيرها من المصادر الكثيرة.
[2] صحيح البخاري ج: ٨ ص: ۱۰۰ كتاب الفتن: باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه،واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي ج: ٨ ص: ۲۰۰ کتاب المرتد: باب قتل من ارتد عن الإسلام. المحلى ج: ١١ ص: ٢٢٥. وغيرها من المصادر.
[3] البحر الزخار المعروف بمسند البزار ج: ٧ ص: ۳۰۳ ح: ۲۹۰۰ مسند حذيفة بن اليمان(رضي الله عنهما)، واللفظ له. فتح الباري ج: ١٣ ص: ٦٤.
[4] السنن الكبرى للنسائي ج: ٦ ص: ٤٩١ كتاب التفسير: سورة المنافقين.
[5] مسند أحمد ج: ٥ ص: ۳۹۰ حديث حذيفة بن اليمان عن النبي ﷺ ، واللفظ له. المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٦٠٩ كتاب الفتن: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها. مجمع الزوائد ج: ۱۰ ص: ۲۹۷ كتاب الزهد باب في ما يحتقره الإنسان من الكلام. كتاب الزهد لابن حنبل ص: ٤٣. حلية الأولياء ج: ١ ص: ۲۷۹ في ترجمة حذيفة بن اليمان. تفسير ابن كثير ج: ۲: ۳۱۲. كنز العمال ج: ٣ ص: ٦٨٦ ح: ٨٤٦١.
[6] مسند أحمد ج: ٥ ص: ۳۹۱ حديث حذيفة بن اليمان عن النبي ﷺ ، واللفظ له. مجمع الزوائدج: ١٠ص: ٦٤ كتاب المناقب: باب ما جاء في الكوفة.
[7] صحيح البخاري ج: ٨ ص: ۱۰۰ كتاب الفتن: باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه، واللفظ له. تفسير الطبري ج: ۱۸ ص: ۲۱۳، الدر المنثور ج: ٥ ص: ٥٥. تفسير القرطبي ج: ٨ ص: ٢١٤. وغيرها من المصادر.
[8] شرح نهج البلاغة ج: ١٦ ص: ١٣٦.
[9] تاريخ دمشق ج: ۲۳ ص: ٤٧١ في ترجمة صخر بن حرب بن أمية.
[10] الاستيعاب ج: ٤ ص: ١٦٧٩ في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب، واللفظ له. النصائح الكافية ص: ۱۱۰، وقريب منه في تاريخ الطبري ج: ٨ ص: ١٨٥ أحداث سنة ٢٨٤ هـ، ومروج الذهب: ٢ ص: ٣٤١ ذكر خلافة عثمان(رض): قبل حديثه عن الثورة على عثمان، وأنساب الأشراف ج: ٥ ص: ١٩ في ترجمة أبي سفيان، وتاريخ دمشق ج: ٢٣ ص: ٤٧١ في ترجمة صخر بن حرب بن أمية، و شرح نهج البلاغة ج: ٢ ص: ٤٥، ج: ٩ ص: 53 - 54، وسبل الهدى والرشاد ج: ۱۰ ص: ۹۱ وغيرها من المصادر.
[11] الاستيعاب ج: ٤ ص: ١٦٧٩ في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب.
[12] السنن الكبرى للبيهقي ج: 5 ص: 280 كتاب البيوع: باب من قال الربا في الزيادة، واللفظ له. موطأ مالك ج: ٢ ص: ٦٣٤ كتاب البيوع: باب بيع الذهب بالفضة تبراً وعيناً. المجموع ج: ١٠ ص: ٣٠. الاستذكار لابن عبد البر ج: ٦ ص: ٣٤٧، ٣٥٤ كتاب البيوع: باب بيع الذهب بالفضة تبرأ وعيناً. أضواء البيان ج ۱ ص: ۱۸۰. وغيرها من المصادر.
[13] الرياض النضرة ج: ۲ ص: ۱۸۳ الباب الثالث في مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رض) الفصل الحادي عشر: ذكر ما نقم على عثمان مفصلاً والاعتذار عنه بحسب الإمكان: في مقتله وما يتعلق به. الأوائل للعسكري ص: ۱۳۰ أول ما وقع الاختلاف من الأمة فخطّأ بعضهم بعضاً حين نقموا على عثمان أشياء نحن ذاكروها.
وقد استبدل في بعض المصادر اسم معاوية بفلان راجع تاريخ دمشق ج: ٢٦ ص: ١٩٧ في ترجمة عبادة بن الصامت، وسير أعلام النبلاء ج: ۲ ص: ۱۰ في ترجمة عبادة بن الصامت، ومسند الشاشي ج: ٣ ص: ٤٥١ ح: ١١٩٦ ما روى أبو الوليد عبادة بن الصامت: في ما رواه عبيد بن رفاعة عن عبادة بن الصامت.
[14] صحیح مسلم ج: ٥ ص: ٤١ كتاب البيوع: باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، واللفظ له. مسند أحمد ج: ١ ص: ٢٥ مسند عمر بن الخطاب (رض). السنن الكبرى للبيهقي ج: ٦ ص: ١٢ كتاب البيوع: باب تحريم التجارة في الخمر. السنن الكبرى للنسائي ج: ۳ ص: ۸۷ كتاب الفروع والعتبرة: النهي عن الانتفاع بما حرم الله عز وجل، ج: ٦ ص: ٣٤٢ كتاب التفسير: تفسير سورة الأنعام: قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا...). سنن الدارمي ج: ٢ ص: ١١٥ كتاب الأشربة باب في التغليظ لمن شرب الخمر. سنن ابن ماجة ج: ٢ ص: ۱۱۲۲ كتاب الأشربة: باب التجارة في الخمر. صحيح ابن حبان ج: ١٤ ص: ١٤٦ كتاب التاريخ: ذكر لعن المصطفى ﷺ اليهود باستعمالهم هذا الفعل. المصنف لعبد الرزاق ج: ٦ ص: ٧٥ بيع الخمر، ج: ٨ ص: ١٩٥ كتاب البيوع: باب بيع الخمر. مسند أبي يعلى ج: 1 ص: ۱۷۸ مسند عمر بن الخطاب. مسند الحميدي ج: 1 ص: ٩. وغيرها من المصادر الكثيرة جدا، وروي في صحيح البخاري ج: ٣ ص: ٤٠ كتاب البيوع: باب كم يجوز الخيار، ج: ٤ ص: ١٤٥ كتاب بدء الخلق، إلا إن فيه بدل (سمرة) (فلاناً).
[15] تاريخ المدينة ج: ٢ ص: ٥٩٦.