استعانة السلطة بالمنافقين وحديثي الإسلام

الأمر الرابع مما قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم: الاستعانة بالمنافقين وحديثي الإسلام في قيادة الجيوش وولاية الأمصار، وتمكينهم من مقدرات المسلمين، كما تضمنه ما تقدم من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في أسباب اختلاف الحديث.

وذلك إما لعدم تجاوب المهاجرين الأولين والأنصار مع السلطة، كما تعرضنا لذلك بتفصيل في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).

وإما لأن المنافقين وحديثي الإسلام ليس لهم بأشخاصهم مكانة واحترام في نفوس عامة المسلمين، وإنما يستمدون حرمتهم من ارتباطهم بالسلطة، بما لها من نفوذ واحترام في المجتمع.

وذلك يجعلهم في حاجة للالتزام بتعاليمها، والطاعة العمياء لها، والحفاظ على نهجها من أجل أن تدعمهم وترفع من شأنهم، وتمكنهم في البلاد والعباد. فهم أرضية صالحة للولاء للسلطة، وأداة فاعلة في تركيز ولائها في نفوس عامة المسلمين.

مضافاً إلى أنهم - نوعاً - يفقدون الوازع الديني الذي يمنعهم من تنفيذ تعاليم السلطة إذا انحرفت عن واقع الإسلام، ومن تركيزها بالطرق غير المشروعة، كالاستئثار بالمال، وتفضيل ذوي النفوذ في العطاء، واختلاق الأحاديث لصالحها، كما تضمنه كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) السابق.

وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ((نستعين بقوة المنافق، وإثمه عليه))[1].

وقيل له: ((إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، ومعاوية، وفلاناً وفلاناً من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، وتركت أن تستعمل علياً والعباس والزبير وطلحة. فقال: أما علي فأنبه من ذلك. وأما هؤلاء النفر من قريش فإني أخاف أن ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد))[2].

 


[1] المصنف لابن أبي شيبة ج: ٧ ص: ٢٦٩ كتاب الأمراء: ما ذكر من حديث الأمراء والدخول عليهم، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي ج: ٩ ص: ٣٦ كتاب السير: باب من ليس للإمام أن يغزو به بحال. كنز العمال ج: ٤ ص: ٦١٤ ح: ١١٧٧٥. وقريب منه في كنز العمال ج: ٥ ص: ٧٧١ ح: ١٤٣٣٨.

[2] شرح نهج البلاغة ج: ٩ ص: ۲۹-۳۰.