بل حاولوا دعم ذلك بأحاديث رواها أتباع السلطة، لتكون ديناً يتدين به، كحديث زيد بن أسلم: ((دخل ابن مطيع على ابن عمر ليالي الحرة، فقال ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من نزع يداً من طاعة لم يكن له حجة يوم القيامة))[1].
وحديث ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه. فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، إلا مات ميتة جاهلية))[2]، وغيره.
وعلى ذلك جرت فتاوى كثير من فقهاء الجمهور. قال الشوكاني تعقيباً على الحديث المذكور: ((فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم. فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: (مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، وقوله تعالى: (وَجَزَاء سَيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)[3].
وقال ابن حجر: ((قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار. وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه. وأن طاعته خير من الخروج عليه. لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء. وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها...))[4]. والحديث في ذلك طويل.
[1] سير أعلام النبلاء ج: ٣ ص: ٣٢٣ في ترجمة عبد الله بن حنظلة الغسيل. واللفظ له. مسند أحمد ج: ٢ ص: ۷۰، ۸۳، ۹۷، ۱۲۳، ۱۳۳، ١٥٤.
[2] صحيح البخاري ج: ٨ ص: ۸۷ كتاب الفتن: ما جاء في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةٌ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّة) وما كان النبي ﷺ يحذر من الفتن، واللفظ له. صحيح مسلم ج: ٦ ص: ٢١ كتاب الإمارة: باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن. السنن الكبرى للبيهقي ج: ٨ ص: ١٥٧ كتاب قتال أهل البغي: باب الصبر على أذى يصيبه من جهة إمامه وإنكار المنكر بقلبه وترك الخروج عليه. مسند أحمد ج: ۱ ص: 275، ۲۹۷ مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (رضي الله تعالى عنه)، سنن الدارمي ج: ٢ ص: ٢٤١ كتاب الجهاد: باب لزوم الطاعة والجماعة. كتاب السنة لابن أبي عاصم ص: ٥١٠. مسند أبي يعلى ج: ٤ ص: ٢٣٥. معرفة السنن والآثار ج: ٦ ص: ۲۸۹. إرواء الغليل ج: ٨ ص: ١٠٥. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
[3] نيل الأوطار ج: 7 ص: 360.
[4] فتح الباري ج: ١٣ ص: ٥.