ويبدو من بعض الروايات أن الأمر بلغ من الشدة حداً كمّت معه الأفواه. ففي حديث حذيفة: ((كنّا مع رسول الله ﷺ فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام. قال: فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟! قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا. قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منّا لا يصلي إلا سراً))[1].
ولعل منه حديث مطرف قال: ((بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه، فقال: إني كنت محدثك بأحاديث، لعل الله أن ينفعك بها بعدي. فإن عشت فاكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت. إنه قد سلم علي. إن نبي الله ﷺ قد جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينزل بها كتاب، ولم ينه عنها نبي الله ﷺ. قال رجل فيها برأيه ما شاء))[2].
بل يبدو أن الأمر تجاوز ذلك إلى منع العلم والثقافة إلا ما بذلته السلطة، بحيث لا يحق لأحد أن يطلب العلم ويسأل إلا في حدود خاصة، ومن حاول ما خرج عن ذلك لا يقتصر على منعه، بل ينهك عقوبة ونكالاً، ليكون عبرة لغيره، فلا يتجرأ على البحث والسؤال.
فقد تظافرت النصوص أن صبيغاً سأل عن شيء من القرآن فعزره عمر[3]، بل في بعضها أنه أنهكه عقوبة وأضرّ به[4]. وفي بعضها أنه منع المسلمين من مجالسته[5]، ومن عيادته إذا مرض[6]، وحرمه عطاءه ورزقه[7].
وعن بعضهم قال: ((رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه ، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر . فيقومون ويدعونه))[8].
[1] صحیح مسلم ج: ۱ ص: ۹۱ کتاب الإيمان: باب الاستسرار بالإيمان الخائف، واللفظ له. مسند أحمد ج: ٥ ص: ٣٨٤ حديث حذيفة بن اليمان. سنن ابن ماجة ج: ۲ ص: ۱۳۳۷ كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء. السنن الكبرى للنسائي ج: ٥ ص: ٢٧٦ كتاب السير: إحصاء الإمام الناس. صحيح ابن حبان ج: ١٤ ص: ۱۷۱ كتاب التاريخ: ذكر إحصاء المصطفى ﷺ من كان تلفظ بالإسلام في أول الإسلام. المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٦١٩ كتاب الفتن: باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
[2] صحیح مسلم ج: ٤ ص: ٤٨ كتاب الحج: باب جواز التمتع، واللفظ له. الطبقات الكبرى ج: ٤ ص: ٢٩٠ في ترجمة عمران بن حصين. سنن الدارمي ج: ۲ ص: ٣٥ كتاب المناسك: باب في القرآن. مسند أحمد ج: ٤ ص: ٤٢٨ حديث عمران بن حصين (رض). أضواء البيان ج: ٤ ص: ٣٦٦. وغيرها من المصادر.
[3] صحیح مسلم ج: ٤ ص: ٤٨ كتاب الحج باب جواز التمتع، واللفظ له. الطبقات الكبرى ج: ٤ ص: ٢٩٠ في ترجمة عمران بن حصين. سنن الدارمي ج: ۲ ص: ٣٥ كتاب المناسك باب في القران. مسند احمد ج: ٤ ص: ٤٢٨ حديث عمران بن حصين (رض). أضواء البيان ج: ٤ ص: ٣٦٦. وغيرها من المصادر.
[4] سنن الدارمي ج: ١ ص: ٥٤ باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع. تاريخ دمشق ج: ۲۳ ص: ٤١٠، ٤١١ في ترجمة صبيغ بن عسل، تفسير القرآن لعبد الرزاق ج: ٢ ص: ٢٤٩. تفسير القرطبي ج: ٩ ص: ٢٢٦. تفسير ابن كثير ج: ٢ ص: ٢٩٤. الدر المنثور ج: ٦ ص: ١١١. الاستذكار لابن عبد البر ج: ٥ ص: ۷۰. كنز العمال ج: ۲ ص: ٣٣١ ح: ٤١٦١، وص: ٣٣٥ ح: ٤١٧٢. وغيرها من المصادر.
قال نافع مولى عبد الله: ((إن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن... فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى نزل ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت ...)).
[5] سنن الدارمي ج: ١ ص: ٥٤ باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع. المصنف لعبد الرزاق ج: ١١ ص: ٤٢٦ باب: من حالت شفاعته دون حد. الإصابة ج: ٣ ص: ٤٧١ في ترجمة صبيغ. تاریخ دمشق ج: ٢٣ ص: ٤٠٨، ٤٠٩، ٤١٠، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤١٣ في ترجمة صبيع بن عسل. تفسير ابن كثير ج: ٤ ص: ٢٤٨. الدر المنثور ج: ٦ ص: ۱۱۱. الاتقان في علوم القرآن ج: ٢ ص: ٩. إكمال الكمال ج: 6 ص: ۲۰۷ باب: عسل. كنز العمال ج: ٢ ص: ٣٣١ ج: ٤١٦١ ، وص: ٣٣٥ ح: ٤١٧٣ ، ٤١٧٤ ، وص: ٥١٠ ح: ٤٦١٧ ، وص: ١١ ٥ ح: ٤٦١٨ ، وج: ١١ ص: ٢٩٧ ح: ٣١٥٥٩، وغيرها من المصادر.
[6] الدر المنثور ج: ٢ ص: ٧. كنز العمال ج: ۲ ص: ۳۳۷ ح: 4180.
[7] الإصابة ج: ۳ ص: ۳۷۱ في ترجمة صبيغ. تاريخ دمشق ج: ۲۳ ص: ٤١٣ في ترجمة صبيغ بن عسل. الوافي بالوفيات ج: ١٦ ص: ١٦٣ في ترجمة صبيغ اليربوعي. الفقيه والمتفقه ج: ۲ ص: ۱۹. الدر المنثور ج ٢ ص: ٧. كنز العمال ج: ٢ ص: ٣٣٥: ٤١٧٤. وغيرها من المصادر.
[8] تاریخ دمشق ج: ٢٣ ص: ٤١٣ في ترجمة صبيغ بن عسل، واللفظ له. الاستذكار لابن عبد البر ج: ٥ ص: ۷۰ ، الدر المنثور ج: ۲ ص: ٧. وغيرها من المصادر.