الأمر الأول: إضفاء الألقاب المناسبة لشرعية الحكم دينياً، مثل: (خليفة رسول الله ) [1]، و (أمير المؤمنين)، و (ولي رسول الله )[2].
وتأكيداً لذلك تختم عمر وأبو بكر وعثمان بخاتم النبي (صلى الله عليه وآله) الذي كان نقشه: (محمد رسول الله)، وكان يوقع به في كتبه للأعاجم، أو بما هو مثله في النقش [3].
وحمل أبو بكر[4] وعمر[5] بعد موتهما على السرير الذي حمل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله). كما أن من المعلوم أنها قد دفنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حجرته.
بل تمادت السلطة وأتباعها فوصفوا الحاكم بأنه (خليفة الله)[6]، و (سلطان الله في الأرض)[7]، ونحو ذلك.
وقد روى راشد بن سعد أن عمر أتي بمال فجعل يقسم بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرة، قال: ((إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك))[8].
وفي كتاب عثمان إلى الأمراء يتحدث عن الجماعة المحاصرين له: ((قالوا: لا نرضى إلا بأن تعتزلنا. وهيهات لهم والله من أمر ينال به الشيطان فيما بعد اليوم من سلطان الله حاجته ...)). ولما قدم الكتاب عليهم قام معاوية فخطب الناس وكان فيما قال: ((انهضوا إلى سلطان الله فأعزوه يعزكم وينصركم ...)).
وخطب أبو موسى فكان فيما قال: ((وإنما قوام هذا الدين السلطان. بادروا سلطان الله لا يستذل ...))[9].
وأخذ عبد الله بن سلام ينهى المحاصرين لعثمان عن قتله، وكان فيما قال: ((... ويلكم إن سلطان الله اليوم يقوم بالدرة، وإن قتلتموه لم يقم إلا بالسيف))[10].
وقال معاوية في خلافته: ((الأرض الله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس فبفضل مني))[11].
وقال جويرية بن أسماء: ((قدم أبو موسى الأشعري على معاوية في برنس أسود. فقال: السلام عليك يا أمين الله. قال: وعليك السلام. فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لأوليه، والله لا أوليه))[12].
وخرج عبد الله بن عامر إلى الجمعة وعليه ثياب رقاق، وأبو بلال تحت المنبر. فقال أبو بلال: انظروا إلى أميركم يلبس لباس الفسّاق، فقال أبو بكرة وهو تحت المنبر : ((سمعت رسول الله ﷺ يقول : من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله)) [13].
وخطب زياد بن أبيه فقال في جملة ما قال: ((أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا. فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا ...))[14].
وعن الهيثم أن الحجاج كتب إلى عبد الملك كتاباً يعظم فيه أمر الخلافة، ويذكر أن الخليفة أعظم عند الله من الملائكة المقربين، لأنه جعل آدم خليفته، ثم أمر الملائكة بالسجود له، وجعلهم رسلاً إليه. فحسن موقع ذلك من عبد الملك وأعجبه وازدهاه، فقال: وددت أن عندي بعض الخوارج فأخاصمه بكتاب الحجاج. فلما انصرف بعض جلسائه حدث أضيافه بما كان. فقال له جوّاز الضبي - وكان من رؤساء الخوارج كاتماً أمره - : توثق لي منه ثم أعلمني. فراح إلى عبد الملك فتوثق له، ثم رجع إليه فأعلمه. فلما أصبح جوّاز اغتسل وتحنط ولبس ثوبين أبيضين، فأدخله على عبد الملك، فدعا بكتاب الحجاج وقال: اقرأه. فلما قرأه قال له: جعلك مرة مَلَكاً ومرة نبياً، ومرة خليفة. فإن كنت مَلَكاً فخبرنا متى نزلت، وإن كنت نبياً فأعلمنا متى نبئت، وإن كنت خليفة فأعلمنا أعن ملأ من المسلمين استخلفت أم عن ابتزاز لأمورهم؟
فقال له عبد الملك: قد أعطيناك موثقاً فلا سبيل لنا إلى قتلك، ولكنك والله لا تساكني في بلد، الحق بحيث شئت، فاختار مصر.
فلما مات عبد الملك كتب الحجاج إلى الوليد: ((إن ذمة أمير المؤمنين قد وفت، ولا أمان لعدوّ الله جوّاز الضبي. فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إليّ به)) فأرسل الوليد من يأتيه به، وأرسل به إلى الحجاج، فلما قدم به عليه قال: بلغ من أمرك يا جوّاز أن ترد على أمير المؤمنين. ثم أمر به فقتل[15].
وفي كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى رعيته بعد أن ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ((فأبان الله به الهدى ... ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوته حين قبض نبيه ﷺ... فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه، لا يتعرض لحقهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله ... وكذلك صنع الله ممن فارق الطاعة التي أمر بلزومها والأخذ بها ... فبالخلافة أبقى الله من أبقى في الأرض من عباده، وإليها صيره، وبطاعة من ولاه إياها سعد من أكرمها ونصرها ... فمن أخذ بحظه منها كان الله ولياً، ولأمره مطيعاً ... ومن تركها ورغب عنها وحادّ الله فيها أضاع نصيبه، وعصى ربه، وخسر دنياه وآخرته ... والطاعة رأس هذا الأمر وذروته و سنامه و زمامه وملاكه وعصمته وقوامه بعد كلمة الإخلاص الله التي ميز بها بين العباد...)) إلى آخر ما في هذا الكتاب مما يجري مجرى ذلك [16].
[1] مسند أحمد ج: ۱ ص: ۱۰ ، ۱۳ ، ۳۷ مسند أبي بكر الصديق (رض). المستدرك على الصحيحين ج: ٣ كتاب معرفة الصحابة ص: ۸۱ مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) ص: ٦٠٧ ذكر سعد بن الربيع الأنصاري (رض). مجمع الزوائد ج : ٥ كتاب الخلافة ص: ١٨٤ باب الخلفاء الأربعة، ص: ۱۹۸ باب كيف يدعى الإمام، ج: ٦ ص: ٢٢٢ كتاب المغازي والسير : باب قتال أهل الردة. فتح الباري ج: ۱۳ ص: ۱۷۸. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
[2] صحيح البخاري ج: ٤ ص: ٤٤ باب فرض الخمس، ج: ٥ ص: ٢٤ كتاب المغازي: باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله ﷺ إليهم، ج: ٦ ص: ۱۹۱ كتاب النفقات، ج: ٨ ص: ٤ كتاب الفرائض، ص: ١٤٧ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. صحيح مسلم ج: ٥ ص: ١٥٢ كتاب الجهاد والسير: باب حكم الفيء، ج: ۲ ص: ۲۱ كتاب الخراج والإمارة والفيء: باب في صفايا رسول الله ﷺ. مسند أحمد ج ١ ص: ٦٠ مسند عثمان بن عفان (رض)، ص: 208، 209 حديث العباس بن عبد المطلب (رض). وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
[3] صحيح البخاري ج: ٧ ص: ٥٣ كتاب اللباس باب نقش الخاتم. صحیح مسلم ج: ٦ ص: ١٥٠ كتاب اللباس والزينة: باب لبس النبي خاتماً من ورق نقشه محمد رسول الله ولبس الخلفاء له من بعده. السنن الكبرى للبيهقي ج: ٤ ص: ١٤٢ كتاب الزكاة: باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمه وحلية سيفه ومصحفه إذا كان من فضة. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.
[4] المستدرك على الصحيحين ج: ٣ ص: ٦٣ كتاب الهجرة ذكر مرض أبي بكر ووفاته ودفنه. تاريخ الطبري ج: ٢ ص: ٦١٣ أحداث سنة الثالثة عشر من الهجرة: ذكر الخبر عمن غسله والكفن الذي كفن فيه أبو بكر(ره) ومن صلى عليه والوقت الذي صلى عليه فيه والوقت الذي توفي فيه (رحمة الله عليه). الكامل في التاريخ ج: ٢ ص: ٤١٩ أحداث سنة الثالثة عشر من الهجرة: ذكر وفاة أبي بكر. وفيات الأعيان ج: ٣ ص: ٦٥ في ترجمة أبي بكر الصديق. وغيرها من المصادر.
[5] أسد الغابة ج: ٤ ص: ٧٧ في ترجمة عمر بن الخطاب. تاريخ دمشق ج: ٤٤ ص: ٤٥١ في ترجمة عمر بن الخطاب سبل الهدى والرشاد ج: ۱۱ ص: 275. وغيرها من المصادر.
[6] أنساب الأشراف ج: ٥ ص: ٢٧ وأما معاوية بن أبي سفيان. مروج الذهب ج: ٣ ص: ٥٣ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان: موقف آخر بين صعصعة ومعاوية. تاريخ دمشق ج: ٣٩ ص: ٥٤٣ في ترجمة عثمان بن عفان ج: ٤٠ ص: ٤١١ في ترجمة عطاء بن أبي صيفي بن نضلة، ج: ۷۰ ص: ۷۲ في ترجمة ليلي الأخليلية. الفتوح لابن أعثم ج: ٣ ص: ۸۸ بعد حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية. وغيرها من المصادر.
[7] تاريخ الطبري ج: ٦ ص: ٣٣١ أحداث سنة ١٥٨ من الهجرة: ذكر الخبر عن صفة أبي جعفر المنصور وذكر بعض سيره. البداية والنهاية ج: ۱۰ ص: ۱۳۰ أحداث سنة ١٥٨ من الهجرة: ترجمة المنصور. تاریخ دمشق ج: ۳۲ ص: ۳۱۱ في ترجمة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وغيرها من المصادر.
[8] الطبقات الكبرى ج: ۳ ص: ۲۸۷ ذکر استخلاف عمر، واللفظ له. تاريخ الطبري ج: ۳ ص: ۲۸۰ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة: ذكر الخبر عن مقتل عمر(رض): حمله الدرة وتدوينه الدواوين. أنساب الأشراف ج: ۱۰ ص: ۳۳۸ - ۳۳۹ نسب بني عدي بن كعب بن لؤي: في ترجمة عمر بن الخطاب. كنز العمال ج: ١٢ ص: ٥٦٤ ح: ٣٥٧٦٨. شرح نهج البلاغة ج: ١٢ ص: ٩٦.
[9] تاريخ دمشق ج: ٣٩ ص: ٤٣١ في ترجمة عثمان بن عفان.
[10] تاريخ دمشق ج: ٣٩ ص: ٤٣٩ في ترجمة عثمان بن عفان.
[11] أنساب الأشراف ج: ٥ ص: ٢٧ وأما معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له. مروج الذهب ج: ٣ ص: ٥٣ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان: موقف آخر بين صعصعة ومعاوية. نثر الدر ج: ٢ ص: ١٤٢ الباب السابع: الجوابات المسكتة الحاضرة. التذكرة الحمدونية ج: ٢ ص: ٣٤١ الباب الثالث والثلاثون: في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة. وغيرها من المصادر.
[12] الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ١٢ أحداث سنة ستين من الهجرة عند الكلام عن معاوية بن أبي سفيان: ذكر بعض سيرته وأخباره وقضاته وكتابه، واللفظ له تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٢٤٥ أحداث سنة ستين من الهجرة عند الكلام عن معاوية بن أبي سفيان: ذكر بعض أخباره وسيره.
[13] سير أعلام النبلاء ج: ١٤ ص: ٥٠٧ في ترجمة الروباني محمد بن هارون. واللفظ له. مسند الطيالسي ج: ٢ ص: ١٦٧. مسند أحمد ج: ٥ ص: ٤٢، ٤٩. مسند الترمذي رقم الحديث: ٢٢٢٤ في الفتن.
[14] الكامل في التاريخ ج: ٣ ص: ٤٤٩ أحداث سنة خمس وأربعين من الهجرة: ذكر ولاية زياد بن أبيه البصرة، واللفظ له. تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ١٦٦ أحداث سنة خمس وأربعين من الهجرة: ذكر الخبر عن ولاية زياد البصرة. الفتوح لابن أعثم ج: ٤ ص: ٣٠٧ ذكر خطبة زياد بالبصرة. شرح نهج البلاغة ج: ١٦ ص: ٢٠٢.
[15] أنساب الأشراف ج: ٨ ص: ٦١-٦٣ أمر جوّاز الضبي.
[16] تاريخ الطبري ج: ٥ ص: ٥٣٠ أحداث سنة ١٢٥ من الهجرة خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك.