وبالمناسبة قد يبدو من بعض النصوص ونكات التاريخ أن السلطة كانت قد حاولت إغفال المسلمين عن مقام أهل البيت صلوات الله عليهم وما فرضه الله من حقهم على المسلمين، وما ميزهم به.
ففي صحيح عبد الله بن سنان: ((سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كانت امرأة من الأنصار تودنا أهل البيت، وتكثر التعاهد لنا. وإن عمر بن الخطاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا. فقال لها: أين تذهبين يا عجوز الأنصار؟ فقالت: أذهب إلى آل محمد أسلم عليهم وأجدد بهم عهداً وأقضي حقهم. فقال لها عمر: ويلك ليس لهم اليوم حق عليك ولا علينا إنما كان لهم حق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأما اليوم فليس لهم حق، فانصر في. فانصرفت حتى أتت أم سلمة، فقالت لها أم سلمة: ماذا أبطأ بك عنا؟ فقالت: إني لقيت عمر بن الخطاب، وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر. فقالت لها أم سلمة: كذب. لا يزال حق آل محمد (صلى الله عليه وآله) واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة))[1].
وفي حديث أبي علي الهمداني: ((إن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين إني سائلك لآخذ عنك، وقد انتظرنا أن تقول شيئاً فلم تقله. ألا تحدثنا عن أمرك هذا كان بعهد [من] رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو شيء رأيته؟ فإنا قد أكثر الأقاويل فيك، وأوثقه عندنا ما قبلناه منك وسمعناه من فيك ... فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عبد الرحمن إن الله قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) وأنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا. وقد كان من نبي الله إلي عهد لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعاً الله وطاعة. وإن أول ما انتقصناه بعده إبطال حقنا في الخمس. فلما رقّ أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا ... ))[2].
وعن أبي يحيى مولى معاذ بن عفراء في حديث مفاتيح بيت المال الطويل قال: ((فبلغ ذلك عثمان، فخرج إلى الناس حتى دخل المسجد، ثم رقى المنبر وقال: أيها الناس إن أبا بكر كان يؤثر بني تيم، وإن عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناس، وإني أوثر والله بني أمية على من سواهم. ولو كنت جالساً على باب الجنة، ثم استطعت أن أدخل بني أمية جميعاً الجنة لفعلت ...))[3].
حيث قد يبتني ذلك على أن استحقاق بني هاشم لسهم ذي القربى من الخمس وحقهم على المسلمين يبتني على تميز أهل بيت الحاكم، فهو لبني هاشم ما دام النبي حياً وحاكماً، فإذا مات وانتهى سلطانه سقط حقهم فيه وفي غيره. بل هو ما عن أشعب بن سوار عن الحسن البصري قال: ((الخمس الله وللرسول ولذي قرابة رسول الله ﷺ ليس كله. وقد كان يقسم لمن سمى الله عز وجل. فأعطته الخلفاء بعد قرابتهم. قلت: كلهم؟ قال: نعم، كلهم))[4]. وإذا لم يطرح ذلك صريحاً بهذا الوجه، لعدم تقبل الناس له، يجري العمل عليه، كأمر واقع تتقبله الناس تدريجاً. ولعل مصادرة فدك من الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من ذلك.
وقد قام الولاة ومن دعمهم في سبيل فرض احترامهم، وتوطيد أركان حكمهم، وإضفاء الشرعية عليه، بأمور خطيرة.
[1] الكافي ج: ٨ ص: ١٥٦ ح: ١٤٥.
[2] أمالي الشيخ المفيد ص: ٢٢٣، ٢٢٤. المجلس: ٢٦ ج: ٢.
[3] أماني المفيد ص: ۷۰، ۷۱ المجلس: ٨ ح: ٥. أما الجمهور فقد رووا أن عثمان أحضر جماعة من الصحابة، فقال: «إني سائلكم أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ﷺ كان يؤثر قريشاً على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم. فقال: لو أن مفاتيح الجنة بيدي لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم. تاريخ مدينة دمشق ج: ٣٩ ص: ٢٥٢. مسند أحمد ج ١ ص: ٦٢ - مجمع الزوائد ج: ٧ ص: ۲۲۷. وغيرها من المصادر.
لكن قال محمد بن يوسف الوهبي الأباضي المصعبي: قال حذيفة: ((والله ما يعدو عثمان أن يكون فاجراً في دينه أخرق في معيشته. وقال: وددت أن ما في كنانتي من سهم في بطنه. وقذف رسول الله والخليفتين بعده إذ قال: إن رسول الله كان يؤثر بني هاشم، وأبو بكر بني تميم [تيم. ظ] وعمر بني عدي. فوالله لأخصن بني أمية على رغم الأنوف ...)). هميان الزاد إلى أرض المعاد ج: ١١ ص: ٣٤٦ في تفسير آية: ٥٥ من سورة الروم.
[4] مجالس الشيخ الطوسي: ٢٦٢ المجلس العاشر ح: ١٦.