تقييم أمير المؤمنين (عليه السلام) للأوضاع

وقد أوضح أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ذلك في حديث له، حيث قال له قائل: ((يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلّم إليه أمرها؟)) قال: ((لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت.

إن العرب كرهت أمر محمد (صلى الله عليه وآله)، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها. وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته.

ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسُلّماً إلى العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً.

ثم فتح الله عليها الفتوح، فأَثْرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة. فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا.

ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين.

فكنا ممن حمل ذكره، وخبت ناره وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها. ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف ...))[1].

 


[1] شرح نهج البلاغة ج: ۲۰ ص: ۲۹۹.

ولا يخفى أن قوله (عليه السلام): ((ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها)) ظاهر أو مشعر بأن الواقع على خلاف ذلك، وأنه كان هناك من يشير عليهم ويسددهم في تلك الفتوح، وأن نجاحهم فيها كان بسبب ذلك، وإن خفيت جهودهم على عامة الناس. ولا شك أنه (عليه السلام) يعني نفسه. وتوجد بعض الشواهد التاريخية المتفرقة بذلك.