دعم أمير المؤمنين (عليه السلام) السلطة اهتماماً بكيان الإسلام

وكشاهد على ذلك يظهر من بعض الروايات أن شعور جمهور الصحابة بعدم شرعية الانحراف الذي حصل جعلهم يتوقفون عن الحرب في ظل السلطة الجديدة في حروب الردة في الجزيرة العربية، فضلاً عن غزو الكفار فيها وفي خارجها. وقد أوجب ذلك توقف النشاط العسكري الإسلامي، وتعرض الإسلام للخطر.

فاضطر أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لدعم السلطة، من أجل إضفاء الشرعية على القتال تحت ظلها.

فقد روى المدائني - وعهدة ذلك عليه - عن عبد الله بن جعفر بن عون قال: ((لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي، فقال: يا ابن عم إنه لا يخرج أحد إلي. فقال: [إلى قتال. صح] هذا العدو وأنت لم تبايع؟ فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر. فقام أبو بكر إليه واعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه، فبايعه. فسرّ المسلمون، وجدّ الناس في القتال، وقطعت البعوث))[1].

وقال (صلوات الله عليه) في كتابه إلى أهل مصر: فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم ... فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه))[2].

وقال اليعقوبي: ((وأراد أبو بكر أن يغزو الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقدّموا وأخروا فاستشار علي بن أبي طالب، فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت، فقال: بشرت بخیر))[3].

وكان (صلوات الله عليه) يسعفهم بتوجيهاته، وصائب رأيه.

فحين استشاره عمر في الخروج لحرب الروم أشار عليه بترك الخروج[4].

وكذا لما استشاره في الخروج لحرب الفرس[5]. كما أوضح له آلية الحرب، وكيفية تجنيد المسلمين لها[6].

وما أكثر ما جنبهم المآزق، حتى تكرر عن عمر أنه كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن[7]. وقال: ((لولا علي لهلك عمر))[8]... إلى غير ذلك مما هو كثير جداً، ويسهل على الباحث الاطلاع عليه[9].

كما أنه قد اشترك جماعة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخواصه في تلك الحروب، كسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي وحذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت وغيرهم (رضي الله عنهم). وكان لهم الرأي الصائب والتدبير الحسن والأثر المحمود.

إلا أن ذلك إنما يعرفه الخاصة، دون عامة الناس. ومن عرفه من العامة نسبه للسلطة، واعتبرهم واجهة لها، كغيرهم ممن تعاون معها، وسار في ركابها.

من دون أن يعرف لهذه الجماعة الصالحة مقامها الرفيع في الإسلام وجهادها من أجله في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وتضحيتها وجهودها في الحفاظ على كيانه ونشره في الأرض بعد ذلك، ولا يحترمها نتيجة ذلك في نفسه.

كما يناسب ذلك ما يأتي من جندب بن عبد الله الأزدي عن موقف أهل الكوفة في أعقاب الشورى من حديثه في بيان مقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وفضله[10]

وكذلك قول معاوية بن أبي سفيان العمار بن ياسر لما بدأ الإنكار من المسلمين على عثمان في مجلس يضم جمعاً من الصحابة: ((يا عمار إن بالشام مائة ألف فارس كل يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم لا يعرفون علياً وقرابته، ولا عماراً ولا سابقته))[11].

 


[1] أنساب الأشراف ج: ۲ ص: ۲۷۰ أمر السقيفة. الشافي في الإمامة ج: ٣ ص: ٢٤١.

[2] نهج البلاغة ج: ٣ ص: ۱۱۹.

[3] تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ١٣٣ في أيام أبي بكر. وقريب منه في الفتوح لابن أعثم ج: ۱ ص: ۸۲ ذكر كيفية الاستيلاء على بلاد الشام في خلافة الصديق (رض).

[4] نهج البلاغة ج: ٢ ص: ۱۸.

[5] نهج البلاغة ج: ٢ ص: ۲۹.

[6] نهج البلاغة ج: ۲ ص: ۲۹ تاريخ الطبري ج: ۳ ص: ۲۱۱ - ۲۱۲ أحداث سنة إحدى وعشرين من الهجرة: ذكر الخبر عن وقعة المسلمين والفرس بنهاوند الكامل في التاريخ ج: ٣ ص: ٨ أحداث سنة إحدى وعشرين من الهجرة: ذكر وقعة نهاوند. وغيرها من المصادر.

[7] الاستيعاب ج: ۳ ص: ۱۱۰۳ في ترجمة علي بن أبي طالب. أسد الغابة ج: ٤ ص: ٢٣ في ترجمة علي بن أبي طالب. الطبقات الكبرى ج: ٢ ص: ۳۳۹ في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). الإصابة ج: ٤ ص: ٤٦٧ في ترجمة علي بن أبي طالب. فتح الباري ج: ١٣ ص: ٢٨٦. تهذيب التهذيب ج: ٧ ص: ٢٩٦ في ترجمة علي بن أبي طالب. الفصول المهمة ج: ۱ ص: ۱۹۹، ۲۰۰ الفصل الأول في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): فصل في ذكر شيء من علومه (عليه السلام). كنز العمال ج: ۱۰ ص: ۳۰۰ ح: 29509 شرح نهج البلاغة ج: ۱ ص: ۱۸ . نظم درر السمطين ص: ۱۳۲. فيض القدير ج: ٤ ص: ٤٧٠ ح: ٥٥٩٤. المناقب للخوارزمي ص: ٩٦، وغيرها من المصادر.

[8] الاستيعاب ج: ۳ ص ۱۱۰۳ في ترجمة علي بن أبي طالب. فيض القدير ج: ٤ ص: ٤٧٠ ح: ٥٥٩٤ . مسند زيد بن علي ص: ٣٣٥ کتاب الحدود: باب حد الزاني. تأويل مختلف الحديث ص: ١٥٢. تفسير السمعاني ج: ٥ ص: ١٥٤. الوافي بالوفيات ج: ۲۱ ص: ۱۷۹. الفصول المهمة ج: ١ ص: ١٩٩ الفصل الأول في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): فصل في ذكر شيء من علومه (عليه السلام). المناقب للخوارزمي ص: ۸۱. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص: ۷۷. ينابيع المودة ج: 1 ص: ٢١٦، ج: ٢ ص: ۱۷۲، ج: ۳ ص: ١٤٧، وغيرها من المصادر الكثيرة.

[9] غاية الأمر أنه (صلوات الله عليه) كان يقتصر على ما فيه مصلحة الإسلام وتأييده، دون ما كان فيه تأييد لهم بأشخاصهم أو بمراكزهم من دون أن يخدم الإسلام بكيانه العام، إلا أن يضطر لذلك. ولذا رفض (عليه السلام) أن يتولى حرب الفرس لما طلب منه عمر أن يوليه ذلك. مروج الذهب ج: ۲ ص: ۳۱۰ ذكر خلافة عمر بن الخطاب: عمر يحرض على الجهاد. ومثله في فتوح البلدان ج: ۲ ص: ۳۱۳.

كما امتنع من الخروج مع عمر عندما ذهب إلى الشام حتى شكاه عمر لابن عباس. شرح نهج البلاغة ج: ۱۲ ص: ۷۸.

ولعله لذا نصح عمر أبا بكر بأن لا يطلب من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولى قتال الأشعث بن قيس. حيث يتوقع منه أن يرفض ذلك. الفتوح لابن أعثم ج: ١ ص: ٥٧.

كما أن أبا بكر استشار عمرو بن العاص فيمن يوليه الحرب فيما يسمى بحروب الردة، فلما ذكر له أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ((لا يطيعك)) تاريخ اليعقوبي ج: ۲ ص: ۱۱۸ في أيام أبي بكر.

ولما سئل عمر عن وجه عدم توليته الأمير المؤمنين (عليه السلام) وجماعة من الصحابة قال: ((أما علي فأنبه من ذلك ....)). شرح نهج البلاغة ج: ٩ ص: ٢٩.

[10] شرح نهج البلاغة ج: ٩ ص: ٥٨. ويأتي عند الكلام في جهود أمير المؤمنين وخاصة أصحابه في كبح جماح الانحراف وفي تعريف العامة بالحقيقة.

[11] الإمامة والسياسة ج: ١ ص: ٢٩ ذكر الإنكار على عثمان (رض)، واللفظ له. وقريب منه في تاريخ المدينة ج: ٣ ص: ١٠٩٤.