ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا غلب أهل باطلها أهل حقها

إلا أن الأديان جميعاً قد ابتليت بالاختلاف بعد أنبيائها. ومن الطبيعي - إذا لم تتدخل العناية الإلهية بوجه خاص - أن يكون الظاهر في آخر الأمر هو الباطل، وتكون الغلبة والسلطة له..

أولاً: لأن مبدئية صاحب الحق المعصوم تجعله يحمل الناس على مرّ الحق، ولا يهادن فيه، وذلك يصعب على أكثر الناس، كما قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه): ((الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون))[1]. وحينئذٍ يخذلونه ويتفرقون عنه. بل كثيراً ما يتحزبون ضده.

وثانياً: لأن مبدئية المعصوم تمنعه من سلوك الطرق الملتوية، وغير المشروعة، والمنافية للمبادئ الإنسانية السامية، في صراعه مع الباطل. وهي نقطة ضعف مادية فيه، كثيراً ما يستغلها الطرف المبطل في الصراع، ويقوى بسببها، فيغلب المحق، ويظهر عليه.

وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله: ((قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين))[2].

ولعله لذا ورد أنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا غلب أهل باطلها أهل حقها[3].

 


[1] بحار الأنوار ج: ٤٤ ص: ٣٨٣. وتقدمت بقية مصادره في المقدمة عند التعرض لتنبيه الإمام الحسين (عليه السلام) لظلامته حين وصوله كربلاء.

[2] نهج البلاغة ج: ۱ ص: 92، واللفظ له. ربيع الأبرار ج: ٤ ص: ٣٤٢ باب الوفاء وحسن العهد ورعاية الذمم. التذكرة الحمدونية ج: ٣ ص: ١ الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة.

[3] مجمع الزوائد ج: ١ ص: ١٥٧ كتاب العلم باب في الاختلاف، واللفظ له. المعجم الأوسط ج: ٧ ص: ۳۷۰. فيض القدير ج: ٥ ص: ٤١٥. حلية الأولياء ج: ٤ ص: ۳۱۳. تذكرة الحفاظ ج: ۱ ص: ۸۷ في ترجمة الشعبي. سير أعلام النبلاء ج: ٤ ص: ٣١١ في ترجمة الشعبي. تاريخ الإسلام ج: ۷ ص: ۱۳۱ في ترجمة عامر بن شرحبيل الشعبي. ذكر من اسمه شعبة ص: ٦٨. كنز العمال ج: ١ ص: ۱۸۳ ح: ۹۲۹، الجامع الصغير للسيوطي ج: ۲ ص: ٤٨١ ح: ۷۷۹۹. وقعة صفين ص: ٢٢٤. ينابيع المودة ج: ٢ ص: ٨٠. وغيرها من المصادر.