محاولة يزيد التنصل من الجريمة واستنكاره لها

ومع كل ذلك فقد تبدل موقف يزيد حيث نسب له بعض المؤرخين وأهل الحديث التنصل من الجريمة، أو الاستنكار لها، وأنه كان يرضى من طاعة أهل الكوفة بدون ذلك، وأنه قد حمل ابن زیاد مسؤوليتها[1].

وروى غير واحد أنه قد أقيم المأتم على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في داره، وشاركت عائلته عائلة الإمام الحسين (عليه السلام) فيه[2].

بل لا إشكال في أنه أسرع بإرجاع العائلة الثاكلة للمدينة المنورة مكرمة معززة، وفسح المجال لها لإقامة المآتم ومراسم العزاء بوجه مهيج للشعور ضده على الصعيد العام، وغض النظر عن تبعة ذلك عليه.

كما أنه أوصى مسلم بن عقبة صاحب وقعة الحرة بالإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) [3]، وأعفاه من البيعة التي طلبها من أهل المدينة [4]، حيث طلب منهم أن يبايعوا على أنهم عبيد ليزيد [5].

وكل ذلك لابد أن يكون بسبب ردود الفعل المباشرة التي سبق الكلام فيها، والتي تكشف عن شدة وقع الجريمة في نفوس المسلمين، حيث شعر بخسارته في المعركة شعوراً فرض عليه الخروج في معالجة الموقف عن طبيعته في الطيش والعنجهية التي بقيت معه في بقية الأحداث التي واجهته بعد فاجعة الطف، ومنها ردّه ببشاعة على أهل المدينة في واقعة الحرة، وعلى ابن الزبير في استحلال الحرم، ورمي مكة المكرمة والكعبة المعظمة بالمنجنيق.

قال ابن الأثير: وقيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله وسرّه ما فعل. ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى بلغه بغض الناس له، ولعنهم وسبهم. فندم على قتل الحسين، فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني ... لعن الله ابن مرجانة فإنه اضطره... فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين. مالي ولابن مرجانة، لعنه الله، وغضب عليه»[6]. وقد روى مثل ذلك الطبري وغيره عن أبي عبيدة عن يونس بن حبيب [7].

 


[1] الكامل في التاريخ ج:٤ ص: ٨٤، ٨٥، ٨٧ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه). تاريخ الطبري ج:٤ ص: ٣٥٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الفتوح لا بن أعثم ج:٥ ص: ١٤٨ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما). تاريخ دمشق ج:١٨ ص: ٤٤٥ في ترجمة زحر بن قيس الجعفي. أنساب الأشراف ج: ٣ ص: ٤١٥ مقتل الحسين بن علي (عليهما السلام). الأخبار الطوال ص: ٢٦١ نهاية الحسين. ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من طبقات ابن سعد ص: ۸۳ ح: ۲۹۷. مقتل الحسين للخوارزمي ج:٢ ص: ٥٦. وغيرها من المصادر الكثيرة.

[2] تاريخ الطبري ج:٤ ص: ٣٥٥ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. البداية والنهاية ج:٨ ص: ۲۱۲ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن. أنساب الأشراف ج:٣ ص: ٤١٧ مقتل الحسين بن علي (عليهما السلام). سير أعلام النبلاء ج:٣ ص: ٣٠٤ في ترجمة الحسين الشهيد. تذكرة الخواص ص: ٢٦٥. الأماني للصدوق ص: ۲۳۰. وغيرها من المصادر.

[3] سير أعلام النبلاء ج: ۳ ص: ۳۲۰- ۳۲۱ في ترجمة الحسين الشهيد. تاريخ الإسلام ج:٥ الطبقة السابعة حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ص: ۲۱ مقتل الحسين، ص: ۲۸ قصة الحرة. تاريخ الطبري ج:٤ ص: ٣٧٩ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة. البداية والنهاية ج:٨ ص: ٢٣٩، ٢٤١ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة عن الحديث عن وقعة الحرة. الفتوح لابن أعثم ج:٥ ص: ١٨٤ ذكر حرة واقم وما قتل فيها من المسلمين. الكامل في التاريخ ج:٤ ص: ١١٩ - ١٢٠ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة: ذكر وقعة الحرة. وغيرها من المصادر.

لكن قال المسعودي: ((ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو. فأتي به إلى مسرف، وهو مغتاظ عليه، فتبرأ منه ومن آبائه. فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد، وقام له، وأقعده إلى جانبه. وقال له: سلني حوائجك. فلم يسأله في أحد ممن قدم للسيف إلا شفعه فيه، ثم انصرف عنه. وقيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته. فقال: ما كان ذلك لرأي مني. لقد ملئ قلبي منه رعبا)). مروج الذهب ج: ۳ ص: ۸۰.

[4] تاريخ الطبري ج:٤ ص: ٣٧٩ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة. تاريخ الإسلام ج:٥ ص: ۲۸ الطبقة السابعة: حوادث سنة واحد وستين من الهجرة: قصة الحرة. الفتوح لابن أعثم ج:٥ ص: ١٨٤ ذكر حرة واقم وما قتل فيها من المسلمين. الكامل في التاريخ ج:٤ ص: ١١١-١١٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة: ذكر وقعة الحرة. تاريخ اليعقوبي ج:٢ ص: ٢٥١ في مقتل الحسين بن علي. مروج الذهب ج:٣ ص: ۸۰-۸۱ معركة حرة واقم. وغيرها من المصادر.

[5] الإصابة ج:1 ص: ٢٣٢ في ترجمة مسلم بن عقبة بن رباح. تهذيب التهذيب ج:١١ ص: ٣١٦ في ترجمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فتح الباري ج:١٣ ص: ٦٠، ٦١. تاريخ الطبري ج:٤ ص: ۳۷۹، ۳۸۱ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ ج:٤ ص: ١١٨ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة: ذكر وقعة الحرة. تاريخ الإسلام ج ٥ ص: ۲۹، ۳۰ الطبقة السابعة: حوادث سنة واحد وستين من الهجرة: قصة الحرة. البداية والنهاية ج:٨ ص: ٢٤٣ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة. الإمامة والسياسة ج:۲ ص: ۱۸۷ إخراج بني أمية عن المدينة وذكر قتال أهل الحرة. تاريخ خليفة بن خياط ص: ۱۸۳ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة: أمر الحرة، تاريخ دمشق ج:58 ص: 105، 107، ١١٤ في ترجمة مسلم بن عقبة. لسان الميزان ج:٦ ص: ٢٩٣ في ترجمة يزيد بن معاوية. الفتوح لابن أعثم ج:٥ ص: ۱۸۲ ذكر حرة واقم وما قتل فيها من المسلمين. تاريخ اليعقوبي ج: ۲ ص: ٢٥٠ في مقتل الحسين بن علي. النصائح الكافية ص: ٦٢. معجم البلدان ج: ۲ ص: ٢٤٩ في (حرة واقم). وغيرها من المصادر الكثيرة.

[6] الكامل في التاريخ ج:٤ ص: ٨٧ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).

[7] تاريخ الطبري ج:٤ ص: ٣٨٨. ذكر الخبر عما كان من أمر عبيد الله بن زياد وأمر أهل البصرة معه بها بعد موت یزید. سير أعلام النبلاء ج: ۳ ص: ۳۱۷ في ترجمة الحسين الشهيد.