المراد بالموات: الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها انتفاعاً معتدّاً به ولو بسبب انقطاع الماء عنها أو استيلاء المياه أو الرمال أو الأحجار أو السبخ عليها، سواء ما لم يكن ينتفع منها أصلاً وما كان الانتفاع الفعليّ منها غير معتدّ به كالأراضي التي ينبت فيها الحشيش فتكون مرعى للدوابّ والأنعام، وأمّا الغابات التي يكثر فيها الأشجار فليست من الموات بل هي من الأراضي العامرة بالذات.

مسألة 890: الموات على نوعين:

1. الموات بالأصل، وهو ما لم تعرض عليه الحياة من قبل، وفي حكمه ما لم يعلم بعروض الحياة عليه كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح الجبال ونحو ذلك.

2. الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والْمَوَتان بعد الحياة والعمران.

مسألة 891: الموات بالأصل وإن كان ملكاً للإمام (عليه السلام) - حيث إنّه من الأنفال - ولكن يجوز لكلّ أحد إحياؤه، فلو أحياه كان أحقّ به من غيره، سواء أكان في دار الإسلام أم في دار الكفر، وسواء أكان في أرض الخراج أم في غيرها، وسواء أكان المحيي مسلماً أم كافراً، وليس عليه دفع الخراج أو أجرة الأرض إذا كان مؤمناً.

هذا إذا لم يطرأ عنوان ثانويّ يقتضي المنع من إحيائه ككونه حريماً لملك الغير أو كون إحيائه على خلاف بعض المصالح العامّة فنهى عنه وليّ الأمر ونحو ذلك.

مسألة 892: الموات بالعارض على أقسام:

الأوّل: ما باد أهله أو هاجروا عنه وعدّ بسبب تقادم السنين ومرور الأزمنة مالاً بلا مالك كالأراضي الدارسة المتروكة والقرى أو البلاد الخربة والقنوات الطامسة والتي كانت للأُمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد بل ولا اسم ولا رسم، أو أنّها تنسب إلى طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم.

الثاني: ما كان عامراً بالذات حين الفتح ولكن طرأ عليه الموتان بعد ذلك.

الثالث: العامر المفتوح عنوة إذا طرأ عليه الخراب.

الرابع: ما كان لمالك مجهول مردّد بين أفراد غير محصورين.

الخامس: ما كان لمالك معلوم إمّا تفصيلاً أو إجمالاً لتردّده بين أفراد محصورين.

أمّا القسم الأوّل والثاني فهما من الأنفال، ويجري فيهما ما مرّ في الموات بالأصل.

وأمّا القسم الثالث فىبقى على ملك المسلمين فيكون أمره بيد وليّ الأمر .

وأمّا القسمان الأخيران ففيهما صور :

الأُولى: ما إذا أعرض عنه صاحبه وأباح ما بقي فيه من الأجزاء والموادّ لكلّ أحد، ففي هذه الصورة يجوز إحياؤه لكلّ من يريد ذلك فيكون بالاحياء أحقّ به من صاحبه الأوّل.

الثانية: ما إذا كان صاحبه عازماً على تجديد إحيائه ولكنّه غير متمكّن من ذلك في الوقت الحاضر لمنع ظالم أو لعدم توفّر الآلات والأسباب المتوقّف عليها الإحياء أو لنحو ذلك، وفي هذه الصورة لا إشكال في أنّه ليس لأحد حقّ التصرّف فيه بإحياء أو غيره من دون إذنه أو إذن وليّه.

الثالثة: ما إذا لم يكن قاصداً لإحيائه، بل قصد إبقاءه مواتاً للانتفاع القليل الحاصل منه بوضعه الفعليّ كالاستفادة من حشيشه أو قصبه أو جعله مرعى لدوابّه وأنعامه، وحكم هذه الصورة ما تقدّم في سابقتها من غير فرق.

الرابعة: ما إذا كان قد أبقاه مواتاً من جهة عدم الاعتناء به وكونه غير قاصد لإحيائه ولا الاستفادة منه بوضعه الفعليّ، وحينئذٍ فهل تزول علقته به - سواء أكان سببها الإحياء مباشرة أو عن طريق تلقّيه عن محيي سابق بالإرث أو الشراء أو نحوهما أو كان سببها غيره ككونه من الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً - فيجوز إحياؤه للغير أم لا؟ والجواب: إنّه إذا كان من قبيل الأراضي الزراعيّة ومرافقها جاز للغير إحياؤها بكَرْي أنهارها وإعمارها وإصلاحها للزرع أو الغرس فيكون بذلك أحقّ بها من الأوّل.

وأمّا غيرها فإن كان من قبيل معلوم المالك فالأحوط لزوماً ترك إحيائه من دون إذن صاحبه وعلى تقدير الإقدام عليه من دون إذنه فالأحوط لزوماً لهما التراضي بشأنه ولو بالمصالحة بعوض، وأمّا إن كان من قبيل مجهول المالك فالأحوط لزوماً أن يفحص عن صاحبه وبعد اليأس عنه فإمّا أن يشتريه من الحاكم الشرعيّ أو وكيله المأذون في ذلك ويسلِّم الثمن إليه ليصرفه على الفقراء أو يستأذنه في صرفه عليهم بنفسه وإمّا أن يتصدّق به على فقير - بإذنٍ من الحاكم الشرعيّ - ثُمَّ يستأجره منه بأجرة معيّنة يتّفقان عليها.

مسألة 893: كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة والقرى الدارسة التي باد أهلها كذلك يجوز حيازة موادّها وأجزائها الباقية من الأخشاب والأحجار والآجر وما شاكل ذلك ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك.

مسألة 894: الأراضي الموقوفة التي طرأ عليها الْمَوَتان والخراب على أقسام:

1. ما لا يعلم كيفيّة وقفها أصلاً وإنّها وقف خاصّ أو عامّ أو أنّها وقف على الجهات أو على أقوام.

2. ما علم أنّها وقف على أقوام ولم يبق منهم أثر أو على طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم خاصّة.

3. ما علم أنّها وقف على جهة من الجهات ولكن تلك الجهة غير معلومة أنّها مسجد أو مدرسة أو مشهد أو مقبرة أو غير ذلك.

4. ما علم أنّها وقف على أشخاص ولكنّهم غير معلومين بأشخاصهم وأعيانهم كما إذا علم أنّ مالكها وقفها على ذرّيّته مع العلم بوجودهم فعلاً.

5. ما علم أنّها وقف على جهةٍ معيّنة أو أشخاص معلومين بأعيانهم.

6. ما علم إجمالاً بأنّ مالكها قد وقفها ولكن لا يدري أنّه وقفها على جهةٍ كمدرسته المعيّنة أو أنّه وقفها على ذرّيّته المعلومين بأعيانهم ولم يكن طريق شرعيّ لإثبات وقفها على أحد الأمرين.

أمّا القسم الأوّل والثاني: فيجوز إحياؤهما لكلّ أحد ويكون المحيي أحقّ بهما، فحالهما من هذه الناحية حال سائر الأراضي الموات.

وأمّا القسم الثالث: فالمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) جواز إحيائه للجميع ولكنّه لا يخلو عن إشكال، فالأحوط لزوماً لمن يريد القيام بإحيائه وعمارته بزرع أو نحوه أن يراجع الحاكم الشرعيّ أو وكيله - مع عدم وجود المتولّي الخاصّ له - ويتّفق معه بشأنه، فإن آجره عليه فاللازم أن يدفع الأجرة إليه ليصرفها في وجوه البرّ أو يستأذنه في صرفها فيها، وكذلك الحال في القسم الرابع إلّا أنّ الأجرة فيه تُصْرَف على الفقراء، ولا تصل النوبة في هذىن القسمين إلى بيع العين الموقوفة كلّاً أو بعضاً لتعمير البعض الآخر مع إمكان استنمائهما بوجه من الوجوه.

وأمّا القسم الخامس: فلا إشكال في أنّه لا يجوز التصرّف فيه بإحياء أو نحوه ولا صرف بدل التصرّف في موارده إلّا بمراجعة المتولّي ولو كان هو الحاكم الشرعيّ أو الموقوف عليهم المعيّنين إذا كان الوقف عليهم ولم يكن له متولٍّ خاصّ.

وأمّا القسم السادس: فيجب على من يريد القيام بعمارته وإحيائه مراجعة متولّي الجهة الخاصّة والذرّيّة معاً والاتّفاق معهم بشأنه واستئجاره منهم، وحينئذٍ فإن أجاز الذرّيّة صَرْفَ الأجرة في الجهة المعيّنة تعيّن ذلك وإلّا فينتهي الأمر إلى القرعة لتعيين الموقوف عليه، والأحوط لزوماً تصدّي الحاكم الشرعيّ أو وكيله لإجرائها.

مسألة 895: من أحيا أرضاً مواتاً تبعها حريمها بعد الإحياء، وحريم كلّ شـيء مقدار ما يتوقّف عليه الانتفاع به ولا يجوز لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحبه.

مسألة 896: حريم الدار عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج منها في الجهة التي يفتح إليها باب الدار، ومطرح ترابها ورمادها وثلوجها ومصبِّ مائها وما شاكل ذلك.

مسألة 897: حريم حائط البستان ونحوه مقدار مطرح ترابه والآلات والطين والجصّ إذا احتاج إلى الترميم والبناء.

مسألة 898: حريم النهر مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى الإصلاح والتنقية والمجاز على حافَتَيْه للمواظبة عليه.

مسألة 899: حريم البئر موضع وقوف النازح إذا كان الاستقاء منها باليد وموضع تردّد البهيمة والدولاب والمِضَخَّة والموضع الذي يجتمع فيه الماء للزرع أو نحوه ومصبُّه ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة ونحو ذلك.

مسألة 900: حريم العين ما تحتاج إليه في الانتفاع منها على نحو ما مرّ في غيرها.

مسألة 901: حريم القرية ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها ومصالح أهلها من مجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومجمع أهاليها لمصالحهم ومسيل مائها والطرق المسلوكة منها وإليها ومدفن موتاهم ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وما شاكل ذلك.

كلّ ذلك بمقدار حاجة أهل القرية، بحيث لو زاحم مزاحم لوقعوا في ضيق وحرج، وهي تختلف باختلاف سعة القرية وضيقها وكثرة أهليها وقلّتهم وكثرة مواشيها ودوابّها وقلّتها وهكذا، وليس لذلك ضابط غير ذلك، وليس لأحد أن يزاحم أهاليها في هذه المواضع.

مسألة 902: حريم المزرعة ما يتوقّف عليه الانتفاع منها ويكون من مرافقها كمسالك الدخول إليها والخروج منها ومحلّ بيادرها وحظائرها ومجتمع سمادها ومرعى مواشيها ونحو ذلك.

مسألة 903: الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقّيّتهم بها بالإحياء باقية على إباحتها الأصليّة، فلا يجوز لهم منع غيرهم من الانتفاع بها ولا يجوز لهم أخذ الأجرة ممّن ينتفع بها، وإذا قسّموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة فيجوز لكلٍّ من المتقاسمين التصرّف فيما يختصّ بالآخر بحسب القسمة.

نعم إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك كانت من حريم أملاكهم ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم وتعطيل حوائجهم.

مسألة 904: للبئر حريم آخر وهو أن يكون الفصل بين بئر وبئر أُخرى بمقدار لا يكون في إحداث البئر الثانية ضرر على الأُولى ضرراً معتدّاً به كجذب مائها تماماً أو بعضاً أو منع جريانه إليها من عروقها، وهذا هو الضابط الكلّيّ في جميع أقسامها.

مسألة 905: للعين والقناة أيضاً حريم آخر وهو - على المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) - أن يكون الفصل بين عين وعين أُخرى وقناة وقناة غيرها في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع وفي الأرض الرخوة ألف ذراع.

ولكن الصحيح أنّ هذا التحديد غالبيّ - حيث إنّ الغالب اندفاع الضرر بهذا المقدار من البُعد - وليس مبنىّاً على التعبّد الشرعيّ.

وعليه فلو فرض أنّ العين الثانية تنقص من ماء الأُولى مع هذا البعد وتضرّ بها ضرراً معتدّاً به لم يجز إحداثها ولا بُدَّ من زيادة البُعد بما يندفع به الضرر أو يرضى به مالك الأُولى، كما أنّه لو فرض عدم ورود الضرر المعتدّ به عليها من إحداث قناة أُخرى في أقلّ من هذا البعد جاز ذلك بلا حاجة إلى الإذن من صاحب القناة الأُولى.

ولا فرق في ذلك بين إحداث قناة في الموات وبين إحداثها في ملكه فكما يعتبر في الأوّل أن لا يكون مضرّاً بالأُولى فكذلك في الثاني.

كما أنّ الأمر كذلك في الآبار والأنهار التي تكون مجاري للماء فيجوز إحداث نهر يجري فيه الماء من منبعه قرب نهر آخر كذلك.

وكذلك إحداث بئر قرب أُخرى وليس لمالك الأُولى منعه إلّا إذا استلزم ضرراً معتدّاً به فعندئذٍ يجوز منعه.

مسألة 906: يجوز إحياء الموات التي في أطراف القنوات والآبار والعيون في غير المقدار الذي يتوقّف عليه الانتفاع منها، فإنّ اعتبار البعد المذكور في القنوات والآبار والعيون إنّما هو بالإضافة إلى إحداث قناة أو بئر أو عين أُخرى فقط.

مسألة 907: إذا لم تكن الموات من حريم العامر ومرافقه على النحو المتقدّم جاز إحياؤها لكلّ أحد وإن كانت بقرب العامر ولا تختصّ بمن يملك العامر ولا أولويّة له.

مسألة 908: إنّ الحريم مطلقاً ليس ملكاً لمالك ما له الحريم سواء أكان حريم قناة أو بئر أو قرية أو بستان أو دار أو نهر أو غير ذلك وإنّما لا يجوز لغيره مزاحمته فيه من جهة أنّه من متعلّقات حقّه.

مسألة 909: لا حريم للأملاك المتجاورة، مثلاً لو بنى المالكان المتجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين وكذا لو بنى أحدهما في نهاية ملكه حائطاً أو غيره لم يكن له حريم في ملك الآخر .

مسألة 910: إذا لزم من تصرّف المالك في ملكه ضرر معتدّ به على جاره فإن كان مثل هذا الضرر أمراً متعارفاً فيما بين الجيران كإطالة البناء بمقدار ما الموجبة لتنقيص الاستفادة من الشمس أو الهواء لم يكن بأس به، وإلّا لم يجز ولو تصرّف وجب عليه رفعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تصرّفه في ملكه مستلزماً للتصرّف الحقيقيّ في ملك الجار أو مستلزماً للتصرّف الحكميّ فيه.

والأوّل: كما إذا تصرّف في ملكه بما يوجب خللاً في حيطان جاره أو حبس ماءً في ملكه بحيث تسري الرطوبة إلى بناء جاره أو أحدث بالوعة أو كنيفاً بقرب بئر الجار فأوجب فساد مائها أو حفر بئراً بقرب جاره فأوجب نقصان مائها سواء أكان النقص مستنداً إلى جذب البئر الثانية ماء الأُولى أو إلى كونها أعمق منها.

والثاني: كما إذا جعل ملكه معمل دباغة أو حدادة في منطقة سكنية ممّا يوجب عدم قابلية الدور المجاورة للسكنى فيها.

مسألة 911: لا فرق في عدم جواز تصرّف المالك في ملكه بما يوجب الإضرار بالجار على أحد النحوين المتقدّمين بين أن يكون ترك تصرّفه فيه مستلزماً للضرر على نفسه أم لا، فلا يجوز للمالك حفر بالوعة في داره على نحو تضرّ ببئر جاره وإن كان في ترك حفرها ضرر عليه، ولو فعل ضمن الضرر الوارد عليه إذا كان مستنداً إليه عرفاً.

نعم لو كان حفر البئر متأخّراً عن حفر البالوعة فلا شـيء عليه ولا يجب عليه طمُّها وإن تضرّرت بئر الجار .

مسألة 912: قد حثّ في الروايات الكثيرة على رعاية الجار وحسن المعاشرة مع الجيران وكفّ الأذى عنهم وحرمة إيذائهم، وقد ورد في بعض الروايات: (إنّ حسن الجوار يزيد في الرزق)، وفي بعضها الآخر : (إنّ حسن الجوار يعمّر الديار ويزيد في الأعمار )، وفي الثالث: (من كفّ أذاه عن جاره أقال الله عثرته يوم القيامة)، وفي الرابع: (ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره)، وغيرها ممّا قد أكّد في الوصيّة بالجار وتشديد الأمر فيه.

مسألة 913: لا يجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا بإذنه ورضاه وإذا طلب ذلك من الجار لم يجب عليه إجابته وإن استحبّ له استحباباً مؤكّداً من جهة ما ورد من التأكيد والحثّ الأكيد في قضاء حوائج الإخوان ولا سيّما الجيران، ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم كالشرط في ضمن عقد لازم أو بالإجارة أو بالصلح عليه لم يجز له الرجوع.

وأمّا إذا كان مجرّد الإذن والرخصة جاز له الرجوع قبل البناء والوضع، وأمّا بعد ذلك فهل يجوز له الرجوع مع دفع الأرش أو بدونه أم لا يجوز مطلقاً وحينئذٍ فهل يستحقّ عليه الأجرة أم لا؟ وجوه وأقوال، فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي بينهما ولو بالإبقاء مع الأجرة أو الهدم مع الأرش.

مسألة 914: لا يجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء ولا تسقيف ولا إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه بشاهد الحال، كما هو الحال في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه أو وضع يده أو طرح ثوبه عليه أو غير ذلك، ولو صرّح بالمنع عنها أو أظهر الكراهة لم تجز .

مسألة 915: لو انهدم الجدار المشترك في أساسه وجميع بنائه وأراد أحد الشريكين تعميره لم يكن له إجبار الآخر على المشاركة فيه ولا تعميره من ماله مجّاناً بدون إذن شريكه، وحينئذٍ فإن كان قابلاً للقسمة كأن كان سميكاً جدّاً تكفي قاعدته لبناء جدارين مستقلّين عليها جاز له المطالبة بالقسمة ويجبر الممتنع عليها، فيتصرّف كلّ منهما في حصّته المفروزة بما شاء إلّا بما يتضرّر به الآخر، وإن لم يكن قابلاً للقسمة بوجه ولم يوافقه الشريك في شـيء جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشرعيّ ليخيّره بين عدّة أُمور من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّاناً.

وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة واحتاج إلى التعمير أو التنقية ونحوهما فإنّه لا يجبر الشريك على المشاركة فيه كما أنّه ليس لأحد الشريكين الاستقلال فيه من ماله تبرّعاً من دون إذن الآخر، بل إذا تعذّر الاتّفاق معه بأيّ نحو يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة أُمور نظير ما تقدّم.

ولو أنفق في تعميرها أو تنقيتها من ماله فنبع الماء أو زاد من أجل ذلك فليس له أن يمنع شريكه غير المنفق من نصيبه من الماء لأنّه فوائد ملكهما المشترك.

مسألة 916: لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره ولم يُعْلَم على أيّ وجهٍ وُضِعَت حُكِمَ في الظاهر بكونه عن حقّ واستحقاق حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف، وكذا الحال لو وجد بناءً أو مجرى ماء أو ميزاب منصوب لأحد في ملك غيره ولم يعلم سببه فإنّه يحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ واستحقاق إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية التي يجوز فيها الرجوع.

مسألة 917: لو تنازعا في جدار ولم يكن لأيّ منهما بيّنة فإن كان تحت يد أحدهما فهو له بيمينه، وكذا لو اتّصل ببناء أحدهما دون الآخر أو كان له عليه طرح فإنّه يحكم له به مع اليمين، وأمّا لو كان تحت يد كليهما أو خارجاً عن يدهما فإن حلفا أو نكلا حكم به لهما وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكم به للحالف.

مسألة 918: لو اختلف مالك العلو ومالك السفل في ملكيّة السقف الفاصل بين الطابقين فإن لم يكن لأيّ منهما بيّنة على دعواه كان ذلك من باب التداعي فيتحالفان، إلّا إذا كانت هناك عادة قطعيّة تقضي باختصاص أحدهما به فيقدّم قوله بيمينه.

وإن اختلفا في ملكيّة جدران السفل كان القول قول مالك السفل بيمينه إذا لم يكن السقف قائماً عليها - كما في بعض الأبنية الحديثة حيث يتمّ بناء الجدران بعد الفراغ عن بناء الهيكل الأساسيّ للبناية - وأمّا مع قيام السقف عليها فحكمها حكم السقف.

وإن اختلفا في المصعد فالقول قول صاحب العلو بيمينه، وأمّا المخزن تحت الدرجة فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه، وأمّا طريق العلو في الصحن فحكمه حكم السقف، نعم لا إشكال في أنّ لصاحب العلو حقّ الاستطراق فيه، وأمّا الباقي فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه.

مسألة 919: إذا اختلف صاحب السفل مع الجار في الغرفة الفوقانيّة المفتوح بابها إلى الجار من غير يدٍ له عليها ولا بيّنة لأيّ منهما على دعواه كان القول قول صاحب السفل بيمينه.

مسألة 920: إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق فله أن يطالب مالك الشجر بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز للجار - بإذن الحاكم الشرعيّ - عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لا يجوز الثاني.

مسألة 921: من حاز أرضاً عامرة بالأصالة كالغابات ونحوها كان أحقّ بها من غيره لو لم يمنع عنه مانع شرعيّ، وإذا كان مؤمناً لم يجب عليه دفع عوض إزاء استفادته منها.

مسألة 922: يعتبر في حصول الأولويّة بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير وإلّا لزم الاستئذان منه، فلو أحياه أحد من دون إذنه لم يحدث له حقّ فيه ويتحقّق التحجير بكلّ ما يدلّ على إرادة الإحياء كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه.

مسألة 923: لا بُدَّ من أن يكون التحجير مضافاً إلى دلالته على أصل إرادة الإحياء دالّاً على مقدار ما يريد إحيائه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار مثلاً فلا بُدَّ من أن يكون في جميع الجوانب حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحيائه، نعم في مثل إحياء القناة الدارسة الخربة يكفي حفر بئر من آبارها فإنّه يعدّ تحجيراً بالإضافة إلى بقيّة آبار القناة، بل هو تحجير أيضاً بالإضافة إلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه، فلا يجوز لغيره إحياؤها.

مسألة 924: لو حفر بئراً في الموات لإحداث قناة فيها عُدّ ذلك تحجيراً بالإضافة إلى أصل القناة وبالإضافة إلى الأراضي الموات التي يصل إليها ماؤها بعد تمامها وليس لغيره إحياء تلك الأراضي.

مسألة 925: التحجير - كما عرفت - يفيد حقّ الأولويّة في الإحياء، وهو قابل للنقل والانتقال فيجوز الصلح عنه ويورّث ويقع ثمناً في البيع، وأمّا جعله مثمناً فلا يخلو عن إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، نعم يصحّ بيع ما تعلّق به بما هو كذلك.

مسألة 926: يعتبر في كون التحجير مانعاً تمكّن المُحَجِّر من القيام بعمارته وإحيائه فعلاً ولو بالتسبيب، فإن لم يتمكّن من إحياء ما حجّره لمانع من الموانع كالفقر أو العجز عن تهيئة الأسباب المتوقّف عليها الإحياء جاز لغيره إحياؤه.

مسألة 927: لو حجّر زائداً على ما يقدر على إحيائه لا أثر لتحجيره بالإضافة إلى المقدار الزائد.

مسألة 928: لو حجّر الموات من كان عاجزاً عن إحيائها ليس له نقلها إلى غيره بصلح أو هبة أو بيع أو نحو ذلك.

مسألة 929: لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن يكون بالتوكيل والاستئجار، وعليه فالحقّ الحاصل بسبب عملهما يكون للْمُوَكِّل والمستأجر لا للوكيل والأجير .

مسألة 930: إذا وقع التحجير من شخص نيابة عن غيره ثُمَّ أجاز النيابة فهل يثبت الحقّ للمنوب عنه أو لا؟ وجهان، والصحيح عدم الثبوت.

مسألة 931: إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجِّر بالتعمير فإن كان من جهة إهمال المحجِّر بطل حقّه وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن من جهة إهماله وتسامحه وكان زوالها بدون اختياره - كما إذا أزالها عاصف ونحوه - لم يبطل حقّه إلّا إذا علم بالحال وتسامح في تجديد تحجيره.

مسألة 932: اللازم على المحجِّر أن يشتغل بالعمارة والإحياء عقيب التحجير، فلو أهمل وترك الإحياء وطالت المدّة ففي جواز إحيائه لغيره بدون إذنه إشكال، فالأحوط لزوماً أن يرفع أمره إلى الحاكم الشرعيّ أو وكيله فيلزم المحجِّر بأحد أمرين إمّا الإحياء أو رفع اليد عنه.

نعم إذا أبدى عذراً مقبولاً يُمْهَل بمقدار زوال عذره، فإذا اشتغل بعده بالتعمير ونحوه فهو وإلّا بطل حقّه وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن الحاكم أو وكيله موجوداً أو لم يمكنه الإلزام سقط حقّ المحجِّر إذا أهمل بمقدار يُعدُّ عرفاً تعطيلاً له والأحوط الأولى مراعاة حقّه إلى ثلاث سنين.

مسألة 933: لا يعتبر في حصول حقّ الأولويّة بالإحياء قصد حصوله، بل يكفي قصد الإحياء والانتفاع به بنفسه أو بمن هو بمنزلته، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته كان أحقّ بها من غيره، نعم لو ارتحل وأعرض عنها سقط حقّه فتكون مباحة للجميع.

مسألة 934: لا بُدَّ في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حدٍّ يصدق عليها أحد العناوين العامرة كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر والقناة والنهر وما شاكل ذلك، ولذلك يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة، فما يعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما شاكلها، وعليه فحصول الأولويّة تابع لصدق أحد هذه العناوين ونحوها ويدور مداره وجوداً وعدماً، وعند الشكّ في حصولها يحكم بعدمها.

مسألة 935: الإعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيّته، نعم إذا أباح تملّكه للآخرين فسبق إليه من تملّكه ملكه، وإلّا فهو يبقى على ملك مالكه فإذا مات فهو لوارثه ولا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه أو إعراضه عنه.