الغصب هو : الاستيلاء عدواناً على مال الغير أو حقّه.
وقد تطابق العقل والنقل كتاباً وسنّة على حرمته، فعن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (من غصب شبراً من الأرض طوّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها).
مسألة 806: المغصوب إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين، وإمّا عين بلا منفعة، وإمّا منفعة مجرّدة، وإمّا حقّ ماليّ متعلّق بالعين، فالأوّل كغصب الدار من مالكها، وكغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر والمستأجر، فهو غاصب للعين من المؤجر وللمنفعة من المستأجر، والثاني كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدّة الإجارة، والثالث كما إذا غصب العين المؤجرة وانتزعها من يد المستأجر واستولى على منفعتها مدّة الإجارة، والرابع كما إذا استولى على أرض محجّرة أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حقّ الرهانة.
مسألة 807: المغصوب منه قد يكون شخصاً كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق كذلك، ونظيره غصب الأعيان والحقوق العائدة للكعبة المشرّفة والمساجد ونحوها، وقد يكون هو النوع كما في غصب مال تعيّن خمساً أو زكاة قبل أن يدفع إلى المستحقّ وغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل والمدرسة المعدّة لسكنى الطلبة.
مسألة 808: للغصب حكمان تكليفيّان وهما: الحرمة ووجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه، وحكم وضعيّ وهو الضمان بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب وكون تلفه وخسارته عليه، فإذا تلف أو عاب يجب عليه دفع بدله أو أرشه، ويقال: لهذا الضمان (ضمان اليد).
مسألة 809: يجري الحكمان التكليفيّان في جميع أقسام الغصب، ففي الجميع الغاصب آثم ويجب ردّ المغصوب إلى المغصوب منه، وأمّا الحكم الوضعيّ وهو الضمان فيجري فيما إذا كان المغصوب من الأموال مطلقاً عيناً كان أو منفعة، وأمّا إذا كان من الحقوق فيجري في بعض مواردها كحقّ الاختصاص ولاݥ يجري في البعض الآخر كحقّ الرهانة.
مسألة 810: لو استولى على حُرٍّ فحبسه لم يتحقّق الغصب لا بالنسبة إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته وإن أثم بذلك وظلمه، سواء أكان كبيراً أو صغيراً، فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير استناد إليه لم يضمن، وكذا لا يضمن منافعه إلّا إذا كان كسوباً لم يتمكّن من الاشتغال بكسبه في الحبس فإنّه يضمن أجرة مثله ضمان تفويت، وكذا لو كان أجيراً لغيره فتعطّل عن عمله فإنّه يضمن منفعته الفائتة للمستأجر ضمان تفويت أيضاً.
ولو استوفى منه بعض منافعه - كما إذا استخدمه - ضمن أجرة مثل عمله ضمان استيفاء، إلّا إذا كان كسوباً فاستخدمه في غير ما هو عمله فإنّه يضمن حينئذٍ من أجرة مثل المنفعتين - المنفعة المستوفاة والمنفعة المفوّتة - أعلاهما، ولو تلف الحرّ المحبوس بتسبيب من الحابس مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فَلَدَغَتْه أو قصّر في تأمين الوسائل اللازمة لحفظه من مرض أصابه فأدّى ذلك إلى موته ضمن من جهة سببيّته للتلف لا لأجل الغصب واليد.
مسألة 811: لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصباً لعدم وضع اليد على ماله وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه، فلو هلكت الدابّة أو تلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت القيمة السوقيّة للمتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان من جهة الغصب واليد، وهل عليه ضمان من جهة أُخرى أم لا؟ الصحيح أنّه لا ضمان عليه في الأخير وهو ما إذا تنقّصت القيمة السوقيّة.
وأمّا في غيره فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه - بأن كانت بآفة سماويّة وسبب قهريّ لا تفاوت في ترتّبها بين ممنوعيّة المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان، وأمّا إذا كان مستنداً إليه - كما إذا كانت الدابّة ضعيفة أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك - فيثبت عليه الضمان.
مسألة 812: يتقوّم الغصب - كما عرفت - باستيلاء الغاصب على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفاً، ويختلف ذلك باختلاف المغصوبات فيتحقّق في المتاع والطعام ونحوهما من المنقولات بأخذها باليد مثلاً، وكذا بنقلها إلى ما تحت يده من بيت أو دكّان أو مخزن أو نحوها ولو لم يكن ذلك بمباشرته بل بأمر الغير به، كأن ينقل الحمّال بأمره متاعاً للغير بدون إذنه إلى بيته أو طعاماً منه إلى مخزنه، فإنّه يكون بذلك غاصباً للمتاع والطعام.
ويتحقّق في مثل الفرس والبغل والجمل من الحيوانات بالركوب عليها وأخذ مِقْوَدِها وزِمامها، كما يتحقّق في مثل الغنم بسوقها بعد طرد المالك أو عدم حضوره إذا كانت تمشي بسياقه وتكون منقادة لسائقها، فلو كانت قطيع غنم في الصحراء معها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها وقام بسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظ عليها ويمنعها عن التفرّق والتشتّت كفى ذلك في تحقّق الغصب لصدق الاستيلاء ووضع اليد عرفاً.
هذا في المنقول وأمّا في غيره فيكفي في غصب الدار أن يَسكنها أو يُسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضوره، وكذا لو أخذ مفاتحها من صاحبها قهراً وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها، وكذا الحال في الدكّان والخان ومثلها البستان إذا كان لها باب وحيطان، وأمّا إذا لم يكن لها باب وحيطان فيكفي دخولها والتردّد فيها - بعد طرد المالك - بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيها، وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة.
هذا كلّه في غصب الأعيان، وأمّا غصب المنافع فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا.
مسألة 813: لو دخل الدار وسكنها مع مالكها، فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرف معيّن منها اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون الأطراف الأُخر، وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في عامّة أطراف الدار وأجزائها كان غاصباً وضامناً لتمام الدار لا ضامناً لها بالنسبة، فلو انهدم بعضها ضمن تمام ذلك البعض كما يضمن منافعها المستوفاة بل والمفوّتة دون ما استوفاها المالك بنفسه.
هذا إذا كان المالك ضعيفاً، وأمّا لو كان الساكن ضعيفاً - بمعنى أنّه لا يقدر على مقاومة المالك وأنّه كلما أراد أن يخرجه من داره أخرجه - فلا يتحقّق منه الغصب بل ولا اليد فليس عليه ضمان اليد، نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها.
مسألة 814: لو أخذ بِمِقْوَد الدابّة فقادها وكان المالك راكباً عليها، فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصباً لها بتمامها ويتبعه الضمان، ولو كان بالعكس - بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته - لم يتحقّق الغصب من القائد أصلاً فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال، نعم يحكم بضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قَوْدِه لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جِماح فشَرِدَتْ بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت.
مسألة 815: إذا اشترك اثنان في الغصب فإن اشتركا في الاستيلاء على جميع المال كان كلّ منهما ضامناً لجميعه سواء أكان أحدهما أو كلاهما متمكّناً لوحده من الاستيلاء على جميعه أم كان بحاجة في ذلك إلى مساعدة الآخر وتعاونه، فيتخيّر المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء كما في الأيادي المتعاقبة.
مسألة 816: إذا غصب شيئاً من الأوقاف العامّة فإن كان من قبيل التحرير لم يستوجب الضمان لا عيناً ولا منفعة وإن كان عمله محرّماً ويجب رفع اليد عنه، فلو غصب مسجداً لم يضمن ما يصيب عرصته تحت يده من الأضرار كالخسف ونحوه، كما لا يضمن أجرته مدّة استيلائه عليه، نعم إذا انهدم بناؤه تحت يده ضمنه لأنّه ليس تحريراً بل ملك غير طلق للمسجد.
وأمّا إذا لم يكن الوقف العامّ من قبيل التحرير سواء أكان وقف منفعة أم وقف انتفاع كان ضامناً لكلٍّ من العين والمنفعة، فلو غصب مدرسة أو رباطاً أو بستاناً موقوفةً على الفقراء أو نحو ذلك فتلفت تحت يده كان ضامناً لعينها، ولو استولى عليها مدّة ثُمَّ ردّها كان عليه أجرة مثلها كما هو الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة.
مسألة 817: يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضيّ الفاسد وما يشبهه، فالمبيع الذي يأخذه المشتري والثمن الذي يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب سواء أعَلِما بالفساد أم جَهِلا به، أم علم أحدهما وجهل الآخر، وكذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة، والمهر الذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، والفدية التي يأخذها الزوج في الطلاق الخلعيّ الفاسد، والجُعْل الذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة وغير ذلك ممّا لا يكون الأخذ فيه مبنيّاً على التبرّع.
وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضيّ وما يشبهه فليس فيه الضمان، فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة لم يكن عليه ضمان، ويلحق بالغصب - على المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) - المقبوض بالسَّوْم، والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده لِيَطَّلِع على خصوصيّاته لكي يشتريه إذا وافق نظره، فإنّ المشهور أنّه يكون في ضمان آخذه فلو تلف عنده ضمنه، ولكنّه محلّ إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 818: يجب ردّ المغصوب إلى مالكه ما دام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه، حتّى أنّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناء لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء، وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه فوراً إلّا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم، وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإنّ للمالك إلزامه بنزعها ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد الثوب، وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه.
هذا إذا كان يبقى للمخرج من الخشبة والمنزوع من الخيط قيمة وأمّا إذا كان بحيث لا يبقى له قيمة بعد الإخراج فللمالك المطالبة ببدله من المثل أو القيمة وعلى تقدير بذل البدل تكون عينه للغاصب، وهل له - أي المالك - المطالبة بالعين دون البدل فيلزم الغاصب نزعها وردّها إليه وإن لم تكن لها ماليّة؟ الجواب: أنّ له ذلك.
مسألة 819: لو مزج المغصوب بما يمكن تميّزه عنه ولكن مع المشقّة - كما إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذُّرَة - يجب عليه أن يميّزه ويردّه.
مسألة 820: يجب على الغاصب مع ردّ العين دفع بدل ما كانت لها من المنافع المستوفاة بل وغيرها على تفصيل تقدّم في المسألة (78)، فلو غصب الدار مدّة وجب عليه أن يعوّض المالك عن منفعتها - أي السكنى - خلال تلك المدّة، سواء استوفاها أم تلفت تحت يده كأن بقيت الدار معطّلة لم يسكنها أحد.
مسألة 821: إذا كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلة فالمدار على المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولا ينظر إلى مجرّد قابليّتها لبعض المنافع الأُخرى، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس بحسب المتعارف الركوب، ومنفعة بعضها الحمل وإن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرَّحى والدولاب أيضاً، فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين.
ولو فرض تعدّد المتعارف منها فيها - كبعض الدوابّ التي يتعارف استعمالها في الحمل تارةً وفي الركوب أُخرى - فإن لم تتفاوت أجرة تلك المنافع ضمن تلك الأجرة، فلو غصب يوماً دابّة تستعمل في الركوب والحمل معاً وكانت أجرة كلٍّ منهما في كلّ يوم ديناراً كان عليه دينار واحد، وإن كانت أجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى، فلو فرض أنّ أجرة الحمل في كلّ يوم ديناران وأجرة الركوب دينار كان عليه ديناران.
وهكذا الحكم مع الاستيفاء أيضاً، فمع تساوي المنافع في الأجرة كان عليه أجرة ما استوفاه، ومع التفاوت كان عليه أجرة الأعلى، سواء استوفى الأعلى أو الأدنى.
مسألة 822: إن كان المغصوب منه شخصاً يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً وإلى وليّه إن كان قاصراً كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً، فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان.
وإن كان المغصوب منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة أو وقف انتفاع فإن كان له متولٍّ خاصّ يردّه إليه وإلّا فيردّه إلى الوليّ العامّ وهو الحاكم الشرعيّ، وليس له أنّ يردّه إلى بعض أفراد النوع بأن يُسلِّمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء، نعم في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرُّبُط إذا غصبها يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس فإذا غصب مدرسة يكفي في ردّها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة الذين كانوا فيها عند الغصب مع انطباق عنوان الموقوف عليهم عند الردّ، ولكن الأحوط لزوماً الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان وإلّا فإلى الحاكم الشرعيّ.
مسألة 823: إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في مكان الغصب فلا إشكال، وكذا إن نقل المال إلى مكان آخر وكان المالك في مكان الغصب، فإنّه يجب عليه إعادة المال إلى ذلك المكان وتسليمه إلى المالك، وأمّا إن كان المالك في غير مكان الغصب فإن كان في مكان وجود المال فله إلزام الغاصب بأحد الأمرين: إمّا بتسليمه له في ذلك المكان وإمّا بنقله إلى مكان الغصب.
وأمّا إن كان في مكان آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى مكان الغصب، وهل له إلزامه بنقله إلى مكانه الذي هو فيه؟ يختلف ذلك بحسب اختلاف الموارد، مثلاً إذا غصب منه فرسه على بُعد عدّة أميال من بلده وعند ما رجع إلى البلد أراد ردّه إليه ففي مثل ذلك يحقّ للمالك إلزامه بنقله إلى البلد وتسليمه له فيه دون مكان الغصب.
وفي المثال إذا سافر المالك إلى بلد بعيد جدّاً فليس له إلزام الغاصب بنقل الفرس إليه لتسليمه له فيه وهناك موارد هي محلّ للإشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيها.
مسألة 824: لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة، ولا فرق بين ما كان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة كالبلّة الحاصلة في الحنطة المؤدّية إلى عفونتها وتلفها فإنّه لا يضمن الغاصب في مثلها إلّا أرش النقصان وتفاوت القيمة بين كونها مبلولة وغير مبلولة.
نعم لو كان حدوث العيب المذكور منتسباً إلى الغاصب ولو من جهة تعدّيه أو تفريطه ولم يكن المالك قادراً على المنع من تزايده ولا على بيع المال مثلاً للحصول على عوضه فتزايد العيب حتّى تلف ضمن الغاصب تمام قيمته لا خصوص الأرش.
مسألة 825: لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقيّة ردّه ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
مسألة 826: لو تلف المغصوب - أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد - قبل ردّه إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً، والمراد بالمثليّ - كما مرّ في كتاب البيع - ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، والقيميّ ما لا يكون كذلك، فالحبوبات من الحنطة والشعير والأرز والذُّرَة والماش والعدس ونحوها من المثليّ وكذلك الآلات والظروف والأقمشة والأدوية المعمولة في المصانع في هذه الأزمنة، والجواهر الأصليّة من الياقوت والزمرّد ونحوهما وغالب أنواع الحيوان كالفرس والغنم والبقر من القيميّ.
مسألة 827: المراد بضمان المثليّ بمثله ما يكون موافقاً له في الصنف ولا يكفي الاتّحاد في النوع، وإنّما يحصل التغاير بين الصنفين باختلافهما في بعض الصفات والخصوصيّات التي تختلف باختلافها رغبات العقلاء دون الاختلاف الذي لا يكون كذلك فإنّه لا ينظر إليه في هذا المقام.
مسألة 828: لو تعذّر المثل في المثليّ ضمن قيمته، وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة وفي وقت تلف العين قيمة أُخرى ويوم التعذّر قيمة ثالثة واليوم الذي يدفع إلى المغصوب منه قيمة رابعة فالمدار على الأخير فيجب عليه دفع تلك القيمة، فلو غصب طُنّاً من الحنطة كانت قيمتها دينارين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دنانير ثُمَّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دنانير ثُمَّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمّته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دنانير يجب عليه دفع هذه القيمة.
مسألة 829: يكفي في التعذّر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد وما حوله ممّا ينقل منها إليه عادة.
مسألة 830: لو وجد المثل بأزيد من ثمن المثل وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك، نعم إذا كانت الزيادة كثيرة بحيث عدّ المثل متعذّراً عرفاً لم يجب.
مسألة 831: لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلّا إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت، فلو غصب طُنّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دنانير وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دنانير لم يكن عليه إلّا إعطاء طُنّ من الحنطة ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دنانير مع طُنّ من الحنطة، بل ليس له الامتناع من الأخذ فعلاً وإبقائها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً.
مسألة 832: لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان لم يكن للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك، فلو غصب جَمَداً في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء، أو غصب قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند النهر ليس له ذلك وللمالك الامتناع، وحينئذٍ فإن تراضيا على الانتظار إلى زمان أو مكان يكون للمثل فيه قيمة فهو وإلّا فللغاصب دفع قيمة المغصوب إلى المالك وليس للمالك الامتناع من قبولها، وهل يراعى في القيمة زماناً ومكاناً وعاء الغصب أو التلف أو أدنى القيم وهو قيمته في الزمان أو المكان المتّصل بسقوطه عن الماليّة؟ وجوه والأحوط لزوماً التصالح.
مسألة 833: لو تلف المغصوب وكان قيميّاً ضمن قيمته - كما تقدّم - فإن لم تتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه وقيمته في زمان أداء القيمة ولا في أثناء ذلك فلا إشكال، وإن تفاوتت بحسب اختلاف الأزمنة كأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد أو أقلّ من قيمته يوم التلف أو كانت قيمته يوم التلف أزيد أو أقلّ من قيمته يوم الأداء كانت العبرة بقيمته في زمان التلف وإن كان الأحوط استحباباً التراضي والتصالح فيما به التفاوت.
هذا إذا كان تفاوت القيمة السوقيّة لمجرّد اختلاف الرغبات وقاعدة الْعَرْض والطلب، وأمّا إذا كان بسبب تبدّل بعض أوصاف المغصوب أو ما في حكمها بأن كان واجداً لوصف كمال أوجب زيادة قيمته حين الغصب وقد فقده حين التلف أو بالعكس - كالسِّمَن في الشاة واللون المرغوب فيه في القماش والفيروزج ونحو ذلك - فالعبرة حينئذٍ بأعْلَى الْقِيَم وأحسن الأحوال.
ولو لم تتفاوت قيمة زَمانَيِ الغصب والتلف من هذه الجهة ولكن حصلت في المغصوب صفة يوجب الارتفاع بين الزمانين ثُمَّ زالت تلك الصفة، فإن لم يكن بفعل الغاصب فالحكم أنّه كذلك أي يضمن قيمته حال الاتّصاف بتلك الصفة كما لو كان الحيوان مريضاً ثُمَّ صار صحيحاً ثُمَّ عاد مرضه وتلف، وأمّا إن كان بفعل الغاصب كما لو كان الحيوان هازلاً فأعلفه كثيراً وأحسن طعامه حتّى سمن ثُمَّ عاد إلى الهُزال وتلف لم يحكم بضمان قيمته حال سِمَنِه وإن كان هو الأحوط استحباباً.
مسألة 834: إذا اختلفت القيمة السوقيّة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في مكان الغصب بعشرين وفي مكان التلف بعشرة أو بالعكس - فهل يلحق ذلك باختلاف الزمان فتكون العبرة بمكان التلف مطلقاً، أو يلحق باختلاف الأوصاف فتكون العبرة بأعْلَى الْقِيَم؟ فيه وجهان، والصحيح هو الأوّل وإن كان الأحوط استحباباً مراعاة الثاني.
مسألة 835: إذا تعذّر عادةً إرجاع المغصوب إلى مالكه فإن كان بحيث يعدّ تالفاً عرفاً أي يعدّ مالاً بلا مالك كما إذا انفلت الطائر الوحشيّ أو وقع السمك في البحر ونحو ذلك ترتّبت عليه أحكام التلف فيجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مِثْلاً أو قيمة، وأمّا لو لم يعدّ كذلك فمع اليأس من الحصول عليه كالمسروق الذي ليس له علامة يجب على الغاصب إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ويسمّى ذلك البدل: (بدل الحيلولة).
وهل يملكه المالك مع بقاء المغصوب في ملكه وإن كان للغاصب استرجاعه فيما إذا صادف أن تمكّن من إرجاع المغصوب إليه، أو أنّه يملكه موقّتاً وينتقل المغصوب إلى الغاصب موقّتاً أيضاً، أو أنّ الانتقال في كلٍّ منهما دائميّ؟ وجوه أصحّها الثاني.
مسألة 836: لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه، ولو كان للمبدل نماء أو منافع كان للغاصب، نعم النماء المتّصل كالسِّمَن يَتْبَع العين فمتى ما استرجعها صاحبها استرجعها بنمائها.
مسألة 837: القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميّات وفي المثليّات عند تعذّر المثل إنّما تحتسب بالنقد الرائج من الذهب والفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة وغيرهما من المسكوكات والأوراق النقديّة المتداولة في العصور الأخيرة، فهذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات، فليس للضامن دفع غيره إلّا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى النقد الرائج.
وإذا اختلف النقد الرائج - بحسب اختلاف الأمكنة - كأن كان النقد الرائج في بلد التلف غيره في بلد الأداء فالعبرة بالنقد الرائج في بلد التلف، وأمّا إذا اختلف بحسب اختلاف الأزمنة فإن كان الاختلاف في النوع بأن سقط النوع الرائج في زمن التلف وأبدل بغيره كانت العبرة بالثاني، وإن كان الاختلاف بحسب الماليّة بأن كان الرائج في يوم التلف أكثر ماليّة منه في يوم الأداء لم يكفِ احتساب قيمة التالف بما كانت تتقدّر به في زمن التلف بل اللازم احتسابها بما تتقدّر به في زمن الأداء.
ولو انعكس الأمر ففي كفاية احتساب قيمته في زمن الأداء بما يساويها ماليّة في زمن التلف أو لزوم احتسابها بنفس المقدار السابق إشكال، والأحوط لزوماً في مثله التصالح.
مسألة 838: الفلزّات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس كلّها مثليّة حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليّات المتعذّرة المثل، نعم في خصوص الذهب والفضّة تفصيل، وهو أنّه إذا قوّم بغير الجنس - كما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم الفضّة بالدينار - فلا إشكال، وأمّا إذا قوّم بالجنس - بأن قوّم الفضّة بالدرهم وقوّم الذهب بالدينار - فإن تساوى القيمة والمقوَّم وزناً كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوَّمة عشرة مثاقيل فقُوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل فلا إشكال أيضاً.
وإن كــان بينهمــا التفــاوت - بأن كانــت الفضّــة المقوَّمــة عشــرة مثاقيل مثـــلاً وقد قُوِّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل - فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم كما أفتى به جماعة، فالأحوط لزوماً أن يقوّم بغير الجنس، بأن يقوّم الفضة بالدينار والذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الربا.
مسألة 839: المصنوع من الفلزّات والمعادن المنطبعة هل يعدّ مثليّاً أو قيميّاً أو أنّه مثليّ بحسب مادّته وقيميّ بحسب هيئته؟ الصحيح هو التفصيل بين الموارد: فإن كانت الصنعة بمثابة من النفاسة والأهميّة تكون هي - في الأساس - محطّ أنظار العقلاء ومورد رغباتهم كالمصنوعات الأثريّة العتيقة جدّاً أو البديعة النادرة، ففي مثل ذلك يعدّ المصنوع قيميّاً، فيقوّم بمادّته وهيئته ويدفع الغاصب قيمته السوقيّة.
وأمّا إن لم تكن كذلك فإن كان يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات - كالمصنوع بالآلات والمعامل المعمولة في هذه الأزمنة من الظروف والآلات - فهو مثليّ مع صنعته يضمن بالمثل مع مراعاة صنفه، وهكذا الحال فيما إذا لم تكن لهيئته ماليّة أصلاً وعدّ وجودها وعدمها سيّين فإنّه يضمن بالمثل حينئذٍ.
وأمّا إذا لم يكن المصنوع من القسمين المذكورين فإنّه يعدّ بمادّته مثليّاً وبهيئته قيميّاً كغالب أنواع الحُليّ والمصوغات الذهبيّة والفضيّة، فلو غصب قرطاً ذهبيّاً كان وزنه مثقالين فتلف عنده أو أتلفه ضمن مثقالين من الذهب مع ما به التفاوت بين قيمته مصوغاً وقيمته غير مصوغ.
مسألة 840: لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهيئة والصنعة دون المادّة ردّ العين وعليه الأرش أيضاً - أي ما تتفاوت به قيمته قبل تلف الهيئة وبعده - لو كان للهيئة ماليّة، ولو طلب الغاصب أن يعيد صناعته كما كان فراراً عن إعطاء الأرش لم يجب على المالك القبول، كما أنّ المالك ليس له إجبار الغاصب بإعادة الصنعة وإرجاع المغصوب إلى حالته الأُولى.
مسألة 841: لو كانت في المغصوب المثليّ صنعة محرّمة غير محترمة - كما في آلات القمار واللهو المحرَّم - لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها، فيردّ المادّة لو بقيت ومثلها لو تلفت إلى المالك وليس عليه شـيء لأجل الهيئة والصنعة.
مسألة 842: لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثُمَّ تلفت - بأن غصبها شخص عن مالكها ثُمَّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثُمَّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ثُمَّ تلفت - ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كلّ واحد منهم وإلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً، حتّى أنّه لو كانوا عشرة مثلاً له أن يرجع إلى الجميع ويأخذ من كلٍّ منهم عُشْرَ ما يستحقّه من البدل وله أن يأخذ من واحد منهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت.
هذا حكم المالك معهم، وأمّا حكم بعضهم مع بعض: فأمّا الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده فعليه قرار الضمان بمعنى أنّه لو رجع عليه المالك وغرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه، بخلاف غيره من الأيادي السابقة، فإنّ المالك لو رجع إلى واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال عنده، كما أنّ لكلٍّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير .
مسألة 843: لو اشترى شيئاً جاهلاً بالغصب رجع بالثمن على الغاصب وبما غرم للمالك عوضاً عمّا لا نفع له في مقابله أو كان له فيه نفع، ولو كان عالماً فلا رجوع بشيء ممّا غرم للمالك.
مسألة 844: إذا تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان، نعم قد اختصّ العبيد والإماء ببعض التفاصيل والأحكام ممّا لا حاجة إلى بيانها.
مسألة 845: لو غصب شيئين تَنقُص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عن قيمته مجتمعاً مع الآخر كمصراعي الباب وفردي الحذاء فتلف أحدهما أو أتلفه، فإن كان قيميّاً أو مثليّاً متعذّراً ضمن قيمة التالف مجتمعاً وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، وإن كان مثليّاً متوفّراً دفع مثله مع ردّ الباقي.
فلو غصب حذاءً قيميّاً كان قيمة فَرْدَيْهِ مجتمعين عشرة وكان قيمة كلٍّ منهما منفرداً ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة وردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الفردين، ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة في الفرض المذكور، وهل يضمن النقص الوارد على الثاني وهو اثنان حتّى تكون عليه سبعة أم لا ؟ وجهان، والأرجح هو الوجه الأوّل.
مسألة 846: لو حصلت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة:
أحدها: أن تكون أثراً محضاً، كتعليم الصنعة في العبد وخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الحنطة وصياغة الفضّة ونحو ذلك.
ثانيها: أن تكون عينيّة محضة، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك.
ثالثها: أن تكون أثراً مشوباً بالعينيّة، كصبغ الثوب والباب.
مسألة 847: لو زاد في العين المغصوبة بما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي ولا شـيء له لأجل تلك الزيادة ولا من جهة أجرة العمل، وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك، حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، ولو أزاله بدون إذنه ففي ضمانه للأرش إشكال سيّما مع تكرّر إيجاد الأثر وإزالته فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فىه، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الأُولى للعين إذا كان له غرض في ذلك ولا يضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة، نعم لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان.
مسألة 848: لو غصب أرضاً فغرسها أو زرعها فالغرس والزرع ونماؤهما للغاصب، وإذا لم يرض المالك ببقائها في الأرض مجّاناً ولا بأجرة وجب عليه إزالتهما فوراً وإن تضرّر بذلك، كما أنّ عليه أيضاً طمّ الحفر وأجرة الأرض ما دامت مشغولة بهما، ولو حدث نقص في قيمة الأرض بالزرع أو القلع وجب عليه أرش النقصان، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته.
وكذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبولها، ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك وليس له طمّها مع عدم الطلب فضلاً عمّا لو منعه، ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها، فيكون البناء للغاصب إن كانت أجزاؤه له وللمالك إلزامه بالقلع، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر .
مسألة 849: لو غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغِراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكلّ له وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الأجرة، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض في ذلك.
مسألة 850: لو غصب شيئاً وصبغه بصبغة فإن كان الباقي فيه من أثر الصبغ عرضاً لا جرم له عرفاً كما هو الغالب في صبغ الأثواب ونحوها لزمه ردّه كما هو ولا شـيء له إزاء صبغه التالف بالاستعمال، وليس له إزالة أثر الصبغ إلّا برضا المالك، كما أنّ عليه دفع الأرش لو نقصتْ قيمته بالصبغ، وإن كان الباقي فيه ممّا له جرم عرفاً كالأصباغ الدهنيّة المتعارفة في طَلْي الأخشاب والحديد ونحوهما فإن أمكن إزالته كان له ذلك وليس للمالك منعه، كما أنّ للمالك إلزامه بها، ولو ورد نقص على المغصوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب المالك أن يملّكه الصبغ بعوض لم يجب عليه إجابته كالعكس بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه المغصوب بقيمته.
هذا إذا أمكن إزالة الصبغ وإن لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في ماليّة المغصوب بالنسبة، فلو كان التفاوت بين قيمته مصبوغاً وقيمته غير مصبوغ بنسبة السدس كان اشتراكه مع المالك في ماليّته بهذه النسبة.
هذا إذا زادت قيمة المغصوب بصبغه وإلّا فلو نقصت بذلك ضمن الغاصب النقص، ومع التساوي لا شـيء للغاصب كما لا شـيء عليه.
مسألة 851: لو صبغ المغصوب من شخص بصبغ مغصوب من آخر فإن كان الباقي فيه عَرَضاً لا جِِرْماً ضمن لمالك الصبغ بدله من المثل أو القيمة وإن كان الباقي جرماً فله مطالبته بالبدل فإن بذل له صار الصبغ ملكاً للغاصب فيجري عليه ما تقدّم في المسألة السابقة، وإن لم يطالب بالبدل واتّفق مع مالك المصبوغ على بقاء الصبغ اشترك في ماليّته بالنسبة وله أن يأخذ من الغاصب ما به التفاوت بين حصّته منها وبين قيمة الصبغ قبل الاستعمال إن وجد، هذا إذا زادت قيمة المغصوب بصبغه ولو نقصت ضمن الغاصب النقص كما يضمن بدل الصبغ لمالكه.
مسألة 852: لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزجا في يده بغير اختيار وعدّ المزيج موجوداً واحداً لا خليطاً من موجودات متعدّدة، فإن كان المزج بجنسه وكانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر ولا أردأ تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة بل الذي عليه هو عدم التصرّف فيه إلّا برضا المغصوب منه والقبول بإفراز حصّته منه وتسليمها إليه لو كان مطالباً بذلك كما هو الحال في سائر الأموال المشتركة.
وإن مزج المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه فللمغصوب منه أن يطالب الغاصب ببدل ماله وله أن يقبل بالمشاركة في الخليط بنسبة الماليّة، فلو خلط لتراً من الزيت الرديء قيمته خمسة دنانير بلتر من الزيت الجيّد قيمته عشرة دنانير وقبل المغصوب منه بالشركة كان للأوّل ثلث المجموع وللثاني ثلثاه.
هذا إذا مزج المغصوب بجنسه، وأمّا إذا مزجه بغير جنسه فإن كان فيما يعدّ معه تالفاً كما إذا مزج ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن البدل، وإن لم يكن كذلك - كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخلّ بالعسل - كان بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيتخيّر المغصوب منه بين أخذ البدل وبين الرضا بالاشتراك في العين بنسبة الماليّة.
مسألة 853: لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ واختار المغصوب منه المشاركة في المخلوط بنسبة الماليّة ولكن كانت قيمة المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين فورد بذلك النقص الماليّ على المغصوب منه ضمن الغاصب هذا النقص، كما لو غصب لتراً من الزيت الجيّد قيمته عشرة دنانير وخلطه بلتر منه رديء قيمته خمسة دنانير وبسبب الاختلاط صار قيمة اللترين اثني عشر ديناراً فصار حصّة المغصوب منه بعد التقسيم - وهو الثلثان - يساوي ثمانية دنانير والحال أنّ زيته غير المخلوط كان يساوي عشرة دنانير فنقص منه اثنان غرم الغاصب هذا النقص.
مسألة 854: ما يعدّ من فوائد المغصوب من الأعيان الخارجيّة كالولد واللبن والشعر والثمر ملك للمغصوب منه فيجب على الغاصب ردّه إليه ما دام باقياً وردّ عوضه على تقدير تلفه، وأمّا منافعه الأُخرى كسكنى الدار وركوب الدابّة فهي أيضاً مضمونة على الغاصب سواء المستوفاة منها والمفوّتة - دون الفائتة كما مرّ - وكذا كلّ صفة حصلت في المغصوب لا بفعل الغاصب وأوجبت زيادة قيمته ثُمَّ زالت ونقصت بزوالها قيمته فإنّه يضمنها وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب على ما مرّ في المسألة (833).
ولو زادت القيمة بزيادة صفة ثُمَّ زالت تلك الصفة ثُمَّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة إلّا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الأُولى فيضمن التفاوت، ولو زادت القيمة لنقص بعضه ممّا له مقدّر كالْجَبِّ فعلى الغاصب دية الجناية، ولو تجدّدت فيه صفة لا قيمة لها ثُمَّ زالت لم يضمنها.
مسألة 855: لو حصلت فيه صفة لا بفعل الغاصب فزادت قيمته ثُمَّ زالت فنقصت ثُمَّ حصلت فيه صفة أُخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان الزيادة الأُولى ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية.
مسألة 856: لو غصب خمراً فصار خلّاً كان للمغصوب منه لا الغاصب، ولو غصب حبّاً فزرعه تخيّر المغصوب منه بين أخذ الزرع وبين المطالبة ببدل الحبّ، ولو بذل له البدل كان الزرع للغاصب، وهكذا الحال لو غصب بيضاً فاستفرخه أو غصب عصيراً فصار عنده خمراً ثُمَّ صار خَلّاً.
مسألة 857: لو غصب فحلاً فأنزاه على الأُنثى فأولدها كان الولد لصاحب الأُنثى وإن كان هو الغاصب وعليه أجرة الضراب.
مسألة 858: يضمن المسلم للذمّيّ الخمر والخنزير بقيمتهما عندهم مع الاستتار، وكذا يضمن للمسلم حقّ اختصاصه فيما إذا استولى عليهما لغرض صحيح كتصنيع الخمر خلّاً أو استعمالها دواءً.
مسألة 859: جميع ما مرّ من الضمان وكيفيّته وأحكامه وتفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ وإن لم تكن عادية وغاصبة وظالمة - إلّا في موارد الأمانات مالكيّة كانت أو شرعيّة كما تقدّم تفصيل ذلك في كتاب الوديعة - فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات المعاوضيّة الفاسدة وما هي بحكمها، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباهاً أو أخذ شيئاً من سارق عارية باعتقاد أنّه ماله وغير ذلك ممّا لا يحصى.
مسألة 860: كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بـ (ضمان اليد) وقد تقدّم تفصيله في المسائل المتقدّمة - كذلك للضمان سببان آخران هما الإتلاف والتسبيب، وبعبارة أُخرى: له سبب آخر وهو الإتلاف سواء كان بالمباشرة أو السبب من غير فرق بين أن يكون المتلف عيناً خارجيّة أو صفة كماليّة.
مسألة 861: الإتلاف بالمباشرة واضح لا تخفى مصاديقه كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله أو ضرب على إناء فكسره أو رمى شيئاً في النار فأحرقه وغير ذلك ممّا لا يحصى، وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شـيء يترتّب عليه الإتلاف، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان أو طرح المعاثر والمزالق كقشر البطّيخ والموز في المسالك أو أوتد وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السَّبُع.
ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت أو فتح قفصاً على طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً ويكون عليه غرامة التالف وبدله إن كان مثليّاً فبالمثل وإن كان قيميّاً فبالقيمة، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش كما مرّ في ضمان اليد.
مسألة 862: لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب إلّا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من أُمّه وكانت الماشية في مَحالّ السباع ومظانّ الخطر واحتاج حفظها إلى حراسة المحبوس فعليه الضمان.
مسألة 863: لو فكّ وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه كان ضامناً له، وأمّا لو فتح رأس الظرف ثُمَّ اتّفق أنّه قلبته الريح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه مثلاً فسال ما فيه ففي الضمان إشكال - فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه - نعم يحكم بالضمان فيما إذا كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه.
مسألة 864: لو فتح باباً على مال فسرق أو دلّ سارقاً عليه فسرقه ضمنه فيما إذا كان التلف مستنداً إليه عرفاً، كما هو الحال في بعض الموارد.
مسألة 865: إذا انهار الجدار فوقع على الجار أو على الطريق العامّ فأصاب إنساناً أو حيواناً أو غيرهما فصاحب الجدار ضامن إذا كان الجدار في معرض الانهيار وعلم بالحال فلم يصلحه ولم يهدمه وتركه حتّى انهدم فأصاب عيناً فأتلفها، ولكن ضمانه مشروط بجهل التالف بالحال إن كان إنساناً وبجهل مالكه إن كان من الأموال، فلو وقف شخص تحت الجدار المشرف على الانهيار أو رَبَطَ حيوانه هناك مع علمه بالحال فانهدم الجدار فتلف الإنسان أو الحيوان لم يكن على صاحب الجدار ضمان.
مسألة 866: لو وضع كوزاً مثلاً على حائطه وكان في معرض السقوط فسقط فتلف به مال أو نفس ضمن، وإن لم يكن كذلك وسقط اتّفاقاً لعارض لم يضمن.
مسألة 867: لو أشعل ناراً في ملكه من شأنها السراية إلى ملك غيره فسرت إليه ضمنه، وإذا لم يكن من شأنها السراية فاتّفقت السراية لعصف الرياح بغتة أو لنحو ذلك لم يضمن.
مسألة 868: إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به ضمنه إذا كان في معرض التعدّي إليه وإلّا لم يضمنه.
مسألة 869: لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسنادها إليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه، ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه إذا كان قد أسندها على وجه تكون في معرض الوقوع وإلّا فلا ضمان عليه.
مسألة 870: لو فتح قفصاً على طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة شخص مثلاً ضمنها الفاتح، وكذا لو كان القفص ضيّقاً مثلاً فاضطرب بخروجه فسقطت وانكسرت ضمنها.
مسألة 871: إذا أكلت دابّة شخص زرع غيره أو أفسدته فإن كان معها صاحبها راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً ضمن ما أتلفته، وإن لم يكن معها - كأن انفلتت من مراحها مثلاً فدخلت زرع غيره - لم يضمن ما أتلفته إذا كان ذلك في الوقت الذي يكون فيه حفظ الزرع على صاحبه كالنهار - على ما جرت العادة به - وأمّا إذا كان في غير ذلك الوقت فهو ضامن لما أتلفته.
مسألة 872: كلّ حيوان جنى على غيره من إنسان أو حيوان أو غيرهما ضمن صاحبه جنايته إذا كان بتقصير منه إمّا بترك رَبْطه أو بحَلِّه من الرباط إذا كان الحيوان من شأنه أن يُرْبط وقت الجناية للتحفّظ منه.
مسألة 873: لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعاً أو غيره كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير لا على المالك والمعير .
مسألة 874: لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين اشتركا في الضمان سواء أكان أحدهما أسبق في التأثير أم لا، فلو حفر شخص بئراً في الطريق ووضع شخص آخر حجراً بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر وحافر البئر معاً.
مسألة 875: لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب، فلو حفر شخص بئراً في الطريق فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً كان الضمان على الدافع دون الحافر، نعم لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله وكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
مسألة 876: لو أُكْره على إتلاف مال غيره وساغ له الإتلاف لأجله كان الضمان على من أكرهه وليس عليه ضمان، هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده، بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلاً، وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده - كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه - فيحكم بضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء، فإن رجع على المكره - بالكسر - لم يرجع على المُكْرَه - بالفتح - بخلاف العكس، هذا إذا أُكْرِه على إتلاف المال، وأمّا لو أكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره - بالكسر - وإن كان عليه عقوبة، فإنّ الإكراه مهما بلغ لا يسوّغ إراقة الدماء.
مسألة 877: لو غصب مأكولاً مثلاً فأطعمه المالك مع جهله بأنّه ماله - بأن قال له هذا ملكي وطعامي أو قدّمه إليه ضيافة مثلاً - أو غصب شاة واستدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنّها شاته ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف، نعم لو دخل المالك دار الغاصب مثلاً ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل لم يحكم بضمان الغاصب وقد برئ عن ضمان الطعام.
مسألة 878: لو غصب طعاماً من شخص وأطعمه غير المالك على أنّه ماله مع جهل الآكل بأنّه مال غيره - كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلاً - ضمن كلاهما، فللمالك أن يُغَرِّم أيّهما شاء، فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل وإن أغرم الآكل رجع على الغاصب.
مسألة 879: إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير حقّ فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حقّ وإنّما الضمان على من أخذ المال.
مسألة 880: ضمان الإنسان يتعلّق بذمّته في ماله لا على عاقلته، نعم يجب على العاقلة في القتل الخطأ المحض وما بحكمه تحمّل الدية عن الجانيّ على تفصيل مذكور في محلّه.
مسألة 881: يجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو قهراً، وإذا انحصر استنقاذ الحقّ بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك ولا يجوز له مطالبة الغاصب بما صرفه في سبيل أخذ الحقّ.
مسألة 882: إذا كان له دين على آخر وامتنع من أدائه فصرف مالاً في سبيل تحصيله لا يجوز له أن يأخذه من المدين إلّا إذا اشترط عليه ذلك في ضمن معاملة لازمة.
مسألة 883: إذا وقع في يده مال الغاصب جاز أخذه مقاصّة ولا يتوقّف على إذن الحاكم الشرعيّ، كما لا يتوقّف ذلك على تعذّر الاستيفاء بواسطة الحاكم الشرعيّ أو غيره.
مسألة 884: لا فرق في مال الغاصب المأخوذ مقاصّة بين أن يكون من جنس المغصوب وغيره كما لا فرق بين أن يكون وديعة عنده وغيره.
مسألة 885: إذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من ماله أخذ منه حصّة تساوي ماله وكان بها استيفاء حقّه، ويجوز له بيعه أجمع - ولو على نفسه - واستيفاء حقّه من الثمن - والأحوط لزوماً أن يكون ذلك بإجازة الحاكم الشرعيّ - ويردّ الباقي من الثمن إلى الغاصب.
مسألة 886: إذا حلف الغاصب على عدم الغصب فإن كان عن تبرّع لم يسقط حقّ المغصوب منه في المقاصّة من أمواله، وإن كان عن استحلاف منه ففيه قولان، والصحيح عدم السقوط أيضاً، نعم يسقط فيما لو استحلفه الحاكم الشرعيّ وحكم له بعد حلفه.
مسألة 887: إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه، وكذا لو تنازعا في صفة يزيد بها الثمن بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده لا بفعل الغاصب وإن زالت فيما بعد، وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه.
مسألة 888: إذا كان على الدابّة المغصوبة رحل أو علّق بها حبل واختلفا فيما عليها فقال المغصوب منه: (هو لي) وقال الغاصب: (هو لي) ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه.
مسألة 889: تقدّم قول الغاصب بيمينه في الموارد المتقدّمة مشروط بعدم كونه مخالفاً للظاهر، وإلّا قدّم قول المغصوب منه بيمينه إذا لم يكن كذلك على ما مرّ في نظائرها.