المنع عن توقيت الظهور

كثر في الآونة الأخيرة من البعض تحديد وقت أو زمن الذي سيظهر فيه الإمام (عجل الله فرجه)، وهذا يدل على تلهّف المؤمنين إلى سرعة تحقق البشارة النبوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغير مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وهذا ناشئ إما بسبب حبّهم الشديد لبقية الله (عليه السلام)، أو لجهلهم بحقائق الأمور.

حقيقة لابد أن نعرفها: بأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي (عليه السلام) ومميزات عصره وعلامات ظهوره.. إلا أنهم رفضوا التصريح عن توقيت يوم الظهور، لا بل بالعكس نهوا عن التوقيت، وأمرونا بتكذيب كل من يخبر بوقت الظهور.. لأن ذلك سر من أسرار الله، قد أخفاه جلَّ وعلا - لحكمةٍ –عن الناس.

وقد وردت روايات عديدة عن الأئمّة (عليهم السلام) في النهي عن توقيت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وفي تكذيب من يُوقِّت له وقتاً وأمَداً معيّناً.

روى النعماني عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (الصادق) (عليه السلام):
(يا محمّد، مَن أخبركَ عنّا توقيتاً، فلا تهابَنَّ أن تُكذّبه، فإنّا لا نُوَقِّت لأحدٍ
وقتاً)[1].

وروى الطوسي عن الفُضَيل، قال: سألتُ أبا جعفر (الباقر) (عليه السلام): (هل لهذا الأمر وقت ؟ فقال: كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون) [2] .

 خفاء وقت ظهوره (عليه السلام):

لقد أخفى الله تبارك وتعالى وقت ظهور وليّه(عليه السلام)، ليكون المؤمنون منتظرين له (عليه السلام) في جميع أوقاتهم، وقد روي في ( الإقبال ) عن الإمام الصادق (عليه السلام)
أنّه قال لحمّاد بن عثمان: (وتوقَّعْ أمرَ صاحبِك ليلَكَ ونهارك، فإنّ الله كلَّ يومٍ هو في شأن، لا يَشغَلُه شأنٌ عن شأن..)[3].

وفي رواية الكليني في الكافي  عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث المفضّل:

(أقربُ ما يكون العباد إلى الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حُجّة الله عزّ وجلّ فلم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقَّعوا الفَرَج كلّ صباحٍ ومساء..)[4].

الحزن لفراقه (عليه السلام):

عن ابن محبوب، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال لي:  (لا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وكل حرى وحران [5] وكل حزين لهفان ثم قال: بأبي وأمي سمي جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)
عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس كم من حرى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين كأني بهم آيس ما كانوا، نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين) [6].

وعن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:  (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمه لامرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله)،  قال لي محمد بن سعيد: اكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئا أحسن منه)[7].

المداومة على الدعاء:

 عن زرارة، قال:  سمعتُ أبا عبدالله  (عليه السلام)  يقول: (....يا زرارة، إذا أدركتَ هذا الزمان، فادْعُ بهذا الدعاء: (اللهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَك، فإنّكَ إنْ لم تُعرَّفني نفسَك لم أعرِفْ نبيَّك. اللهمّ عَرِّفني رسولَكَ، فإنّك إن لم تعرّفني رسولَك لم أعرِفْ حُجّتَك، اللهمّ عرِّفني حجَتّك. فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضَلَلْتُ عن دِيني)[8].

وعن محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين(عليهم السلام) قال:  (... تكرر  هذا الدعاء ساجدا وقائما وقاعدا وعلى كل حال وفي الشهر كله و كيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله):
(اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي هَذِه السَّاعَةِ وفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيّاً وحَافِظاً ونَاصِراً ودَلِيلاً وقَاعِداً وعَوْناً وعَيْناً حَتَّى تُسْكِنَه أَرْضَكَ طَوْعاً وتُمَتِّعَه فِيهَا طَوِيلاً)[9].

زيارة مشاهد النبيّ والأئمة المعصومين(عليهم السلام) نيابةً عنه(عليه السلام):

من المألوف بين خواصّ شيعة أهل البيت(عليهم السلام): النيابة في زيارة المشاهد المقدّسة. وممّا لا شكّ فيه أنّ من سرور صاحب العصر (عليه السلام) أن يزور المؤمن مشاهدَ آبائه الكرام (عليهم السلام) نيابةً عنه، وقد روى المجلسيّ في باب المزار من كتابه؛ بحار الأنوار أنّ الإمام الهادي(عليه السلام) أنفذ زائراً عنه إلى مشهد أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)
وقال:  (إنّ لله مَواطِنَ يُحبّ أن يُدعى فيها فيُجيب، وإنّ حائر الحسين (عليه السلام) من تلك المَواطن)[10].

وعن داوود الصَّرمي، عن أبي الحسن العسكري(عليه السلام)، قال: قلت له: إنّي زُرتُ أباك وجعلتُ ذلك لك، فقال (عليه السلام):  ( لك بذلك من الله ثوابٌ وأجر عظيم، ومِنّا المَحمَدة)[11].

تجديد البيعة له (عليه السلام):

المُبايعة: المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلاًّ منهما باعَ ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصةَ نفسه ودخيلة أمره.

وقد أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خمّ جميعَ الأمّة بمبايعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وروى علماء المسلمين عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:   مَن مات ولا بيعة عليه مات مِيتةً جاهليّة ) [12]، وأنّه(صلى الله عليه وآله) قال:  (  مَن مات بغير إمام، مات ميتةً جاهليّة) [13].

ولمّا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)  قد نصّ على الأئمّة(عليهم السلام) بأسمائهم، وبيّن لأمّته أنّ أوّلهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم المهديّ: محمّد بن الحسن العسكريّ (عليه السلام)
- كما ذكرنا ذلك سابقا - فإن المؤمن يكون مُلزَماً بمبايعة إمامه(عليه السلام)، لئلاّ يكون من مصاديق الحديث الشريف: (مَن مات ولم يَعرِف إمامَ زمانه مات ميتة جاهلية)[14].

وقد روي استحباب تجديد البيعة لصاحب العصر(عليه السلام) كلّ يوم، وذكروا أنّه يستحبّ قراءة دعاء العهد بعد صلاة الفجر كلّ يوم. ويستحبّ تجديد العهد والبيعة له (عليه السلام) في كلّ جمعة[15].

 


[1] الغَيبة للنعماني:ص300.

[2] الغَيبة للشيخ الطوسي:ص426.

[3] إقبال الأعمال للسيد بن طاووس: ج1،ص368.

[4] الكافي للكليني:ج1،ص333.

[5] الحرة العطش فالرجل: حران، والمرأة: حرى .

[6] بحار الأنوار للعلامةالمجلسي:ج51،ص152.

[7] الكافي للشيخ الكليني:ج2،ص226.

[8] الكافي للشيخ الكليني :ج1،ص337.

[9] الكافي للشيخ الكليني:ج4،ص162.

[10] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج99،ص275.

[11] وسائل الشيعة للحر العاملي:ج14،ص593.

[12] كنز العمال للمتقي الهندي:ج1،ص103.

[13] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج8،ص13.

[14] الكافي للشيخ الكليني:ج5،ص199.

[15] مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي:ص83 و615.