عن يمان التمّار قال: كنّا عند أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) جلوساً فقال لنا: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد ثم قال: هكذا بيده، فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليّاً، ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه)[1].
مفهوم الانتظار الذي ينبغي أن يتمثله الإنسان المسلم إضافة إلى ما يعنيه من العمل على التهيئة والإعداد للإمام المنتظر (عليه السلام) في الإصلاح والتغيير، كذلك هو الثبات على الولاية والتمسّك بالعقيدة المهدوية في زمن التشكيكات والمشككين، فإن انتظار الإمام المهدي (عليه السلام) ثبات على الولاية والثبات على الولاية ثبات على الدين وهو أفضل أعمال الإنسان في زمن الغيبة.
وفي ضوء ما تعطيه اللغة لمعنى (الانتظار) حين تحدده بالترقب والتوقع.. قد يتوهم: أن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر بالقضاء على الكفر وبالقيام بتطبيق الإسلام، لنعيش الحياة تحت ظلاله في دعة وأمان غير معتنين على القيام بمسؤولية تفعيل الإسلام في حياتنا بكل مجالاتها وبخاصة مجالها السياسي بدافع من إيماننا بأن مسؤولية تحكيم الإسلام في كل مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المنتظر فلسنا بمكلفين بها الآن.
وقد يتوهم بأنها من عقيدة الشيعة فتتحول عقيدتنا بالإمام المنتظر فكرة تخدير عن القيام بالمسؤولية المذكورة بسبب هذا التوهم، إلا أننا نحاول تجلية واقع الأمر بما يرفع أمثال هذه الألوان من التوهم، فنجد أن منشأ هذه المفارقة هو محاولة عدم الفهم أو سوء الفهم في الواقع.
وذلك لأن ما يفاد من الانتظار في إطار واقعه كلازم من لوازم الاعتقاد بالإمام المنتظر (عليه السلام) يتنافى وهذه الألوان من التوهم تمام المنافاة، لأنه يتنافى وواقع العقيدة الإسلامية التي تضم عقيدة الإمامة كجزء مهم من أجزائها.
ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ الإمام المهدي(عليه السلام) أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته (كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ)[2] .
إذن ما هو الانتظار؟ إن المراد من الانتظار هو وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر (عج) وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة الآتية وهي: إن الانتظار ليس هو التسليم.. وإنما هو واجب أخر يضاف إلى قائمة الواجبات الإسلامية.
تكاليف العباد في عصر الغيبة منها:
انتظار الفَرَج:
انتظار المؤمن للفَرَج أمرٌ حثّت عليه الشريعة الغرّاء، ورغَّبت فيه، ووَعَدَت فاعليه حُسنَ الثواب، وإلى دَور انتظار الفَرَج في تقوية ثبات الفرد المُسلم أمام النوائب وحوادث الزمان، ودوره في لَفْت نظر المسلم إلى ضرورة إعداده نفسَه وتهيئتها وتزكيتها والارتفاع بها إلى المستوى الذي يؤهّلها للانخراط في أصحاب الإمام المهديّ المنتظر(عليه السلام)، الذين وصفتهم الروايات الواردة بأنّ عقولهم وأفهامهم قد بَلَغَت من اليقين حدّاً صارت الغَيبة معه بمنزلة المُشاهدة.
فعن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله).... ثم يكون ماذا، قال(عليه السلام):
(ثم تمتد الغيبة بولي الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده. يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لان الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله عز وجل سرا وجهرا) [3].
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فان أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن...)[4].
وعن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله)[5].
ثواب انتظار الفَرَج:
عن أبي الحسن عن آبائه(عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ( أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل ) [6]
وروي عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ما أحسنَ الصبر وانتظار الفَرَج، أما سمعتَ قولَه عزّوجلّ: (... وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)[7]، و قوله عزّ وجلّ: (...فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ)[8]؟ فعلَيكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس، وقد كان مَن قبلكم أصبَرَ منكم)[9].
وعن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام): (طُوبى لشيعةِ قائمنا المنتظِرين لظهوره في غيبته، والمُطيعين له في ظهوره، أولئك أولياءُ الله الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)[10].
[1] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص335.
[2] بحار الانوار للعلامة المجلسي: ج72، ص38.
[3] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:ص320.
[4] الخصال للشيخ الصدوق
[5] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 645.
[6] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:644.
[7] سورةهود:آية 93.
[8] سورة الأعراف:آية 73.
[9] كمال الدين وتمام النعمةللشيخ الصدوق:ص645.
[10] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:ص357.