من كرامات الإمام المهدي (عليه السلام)

روى الشّيخ الصّدوق قال: حدّثنا أبو الأديان قال: كنتُ أخدم الحسنَ ابن عليّ العسكريّ(عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلتُ عليه في علّته الّتي تُوفّي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتباً وقال: (إمضِ إلى المدائن؛ فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرّ مَن رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المُغتسَل ).

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك، فمَن؟ قال (عليه السلام):  (مَن طالَبَك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي)، فقلت: زِدْني، فقال (عليه السلام):  (مَن يصلّي علَيّ فهو القائم بعدي)، فقلت: زدني، فقال (عليه السلام): (مَن أخبر عمّا في الهِميان).

وخرجتُ بالكتب إلى المدائن وأخذتُ جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسَل، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدّار، والشّيعة مِن حوله يُعزّونه ويُهنّئونه، فقلت: إن يكن هذا الإمام فقد بَطَلَت الإمامة! فتقدّمت، فعزّيتُ وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد  الخادم  فقال لجعفر: يا سيّدي، قد كُفِّن أخوك فقُم للصلاة عليه، فدخل جعفر والشّيعة من حوله.. فلمّا صرنا في الدّار إذا نحن بالحسن بن عليّ   العسكري  صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر ليصلّي على أخيه، فلمّا هَمّ بالتّكبير خرج صبيٌّ بوجهه سُمرة بشَعره قَطَط بأسنانه تفليج، فجذب رداءَ جعفر بن عليّ وقال (عليه السلام): (يا عمّ تأخَّرْ؛ فأنا أحقُّ بالصّلاة على أبي). فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهُه واصفرّ، فتقدّم الصبيّ فصلّى عليه، ودُفن إلى جانب قبر أبيه  الهادي(عليهما السلام).

ثمّ قال  الصبيّ: ( يا بصريّ، هاتِ جوابات الكتب التي معك )، قال أبو الأديان: فدفعتُها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان، بقيَ الهِميان، ثمّ خرجتُ إلى جعفر بن عليّ وهو يَزفُر... فنحن جُلوسٌ إذ قَدِم نفرٌ من قم فسألوا عن الحسن بن عليّ صلوات الله عليه، فعرفوا موته فقالوا: فمَن نُعزّي؟ فأشار النّاس إلى جعفر، فسلّموا عليه وعَزَّوه وهنّأوه وقالوا: إنّ معنا كتباً وأموالاً، فتقول ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب!

فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلانٍ وفلانٍ وفلان، وهِميانٌ فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مَطْليّة، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام...)[1].

وعن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاريّ قال: وجّه قومٌ من المفوِّضة والمقصّرة كاملَ بن إبراهيم المدنيّ إلى أبي محمّد  الحسن العسكري(عليه السلام)، قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله عن قوله: (لا يَدخلُ الجنّة إلاّ مَن عَرفَ معرفتي، وقال بمقالتي).

قال: فلمّا دخلتُ على سيّدي أبي محمّد (عليه السلام) نظرتُ إلى ثيابٍ بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليُّ الله وحجّته يلبس النّاعمَ مِن الثّياب ويأمرنا بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مِثله! فقال (عليه السلام) متبسّماً: يا كامل! وحَسَر عن ذراعَيه، فإذا مِسْحٌ أسودُ خَشِنٌ على جلده، فقال (عليه السلام): (هذا لله، وهذا لكم)، فسلّمتّ وجلست إلى بابٍ عليه ستر مُرخى، فجاءت الرّيح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتىً كأنه فِلْقةُ قمرٍ مِن أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي: يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررتُ من ذلك وأُلهمتُ أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: جئتَ إلى وليّ الله وحجّته وبابه تسأله: هل يدخل الجنّةَ مَن عرف معرفتَك وقال بمقالتك؟! فقلت: إي والله، فقال: إذن ـ واللهِ ـ يَقلُّ داخلُها، واللهِ إنه لَيدخلها قوم يُقال لهم «الحقّيّة»، قلت: يا سيّدي، ومَن هم؟ قال: قوم مِن حبِّهم لعليٍّ يحلفون بحقّه، ولا يدرونَ ما حقُّه وفضله، ثمّ سكت  صلوات الله عليه عنّي ساعة.. ثمّ قال: جئتَ تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا، واللهُ يقول: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الله)[2]  ثمّ رجع السّتر إلى حالته فلم استطع كشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد(عليه السلام) متبسّماً فقال: يا كامل، ما جُلوسُكَ وقد أنبأك بحاجتك الحجّةُ من بعدي؟! فقمتُ وخرجت ولم أُعاينه بعد ذلك، قال أبو نعيم: فلقيتُ كاملاً فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به)[3].

وعن غياث بن أُسيد قال: سمعتُ محمّد بن عثمان العَمْريّ يقول: لمّا وُلِد الخَلَف المهدي صلوات الله عليه سَطَع نورٌ من فوق رأسه إلى عِنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذِكْرُه، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) [4])[5] .

 


[1] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:ص476.

[2] سورة التكوير: آية29.

[3] الغيبة للشيخ الطوسي: ص247.

[4] سورة آل عمران: آية18و19.

[5] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص433.