من كتاب للإمام المهديّ (عليه السلام) إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار[1]:
* قد فهمنا ما حكيتَه عن مُوالينا بناحيتكم، فقل لهم:
أما سمعتم اللهَ عزّ وجلّ يقول: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)[2]؟ هل أمَرَ إلاّ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؟ أوَ لم تَرَوا أن الله عزّ وجلّ جعل لكم مَعاقِلَ تأوونَ إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لَدُن آدمَ (عليه السلام) إلى أن ظَهَر الماضي[3] صلوات الله عليه، كلّما غاب عَلَمٌ بدا عَلَم، وإذا أفَلَ نجمٌ طلع نجم.. فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله عزّ وجلّ قد قطع السبب بينه وبين خلقه كلاّ، ما كان ذلك ولا يكون إلى أن تقوم الساعة، ويَظهرَ أمرُ الله عزّ وجلّ وهم كارهون، يا محمّد بن إبراهيم لا يَدخُلِ الشكُّ فيما قدّمتُ له؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لا يُخلي الأرضَ من حُجّة ) [4].
*ومن كتاب له (عليه السلام) إلى إسحاق بن يعقوب[5]، جواباً عن كتاب كتبه إليه بواسطة نائبه محمّد بن عثمان العَمْري يسأله عن بعض المسائل:
(.. وأمّا ظهور الفَرَج، فإنّه إلى الله تعالى ذِكرُه، وكذّب الوقّاتون. وأمّا الحوادثُ الواقعة، فارجِعوا فيها إلى رُواة حديثنا؛ فإنّهم حُجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم...وأمّا المتلبّسون بأموالنا، فمَن استحلّ منها شيئاً فأكَلَه فإنّما يأكل النيران، وأمّا ندامة قوم قد شكّوا في دِين الله عزّ وجلّ على ما وَصَلونا به، فقد أقَلْنا مَن استقال، ولا حاجة لنا في صِلة الشكّاكين...وأمّا وجه الانتفاع بي في غَيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غَيّبها عن الأبصار السَّحاب، وإنّي لأمانٌ لأهل الأرض، كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء؛ فأغلِقوا بابَ السؤال عمّا لا يَعنيكم، ولا تَكَلّفوا علمَ ما قد كُفيتُم، وأكثِروا الدعاءَ بتعجيل الفَرَج؛ فإنّ ذلك فَرَجُكم، والسّلام عليكم.. ) [6].
*وعن الشيخ الموثوق أبي عمرو العَمْري[7] قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي غانم: أن أبا محمد(عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية، وأعلموه بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطه(عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا.
يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تنعكسون[8]، ..... ولولا أن أمر الله لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبتز منه عقولكم، ويزيل شكوكم ولكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الايراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا المودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم، والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صاحبكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل، الضال المتتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعليها إلي أسوة حسنة، وسيتردى الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلها برحمته إنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليا وحافظا، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما ) [9] .
[1] محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.. من أصحاب الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام)، وكان وكيلاً كما كان أبوه، وأبوه معروف حتّى عدّه ابن طاووس من السفراء والأبواب الذين لا يختلف الأمامية فيهم.
[2] سورة النساء: آية 59.
[3] الماضي: أي الإمام السابق الحسن العسكري (عليه السلام).
[4] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص487.
[5] أحد الرواة الذين يروون عن السفير محمّد بن عثمان العَمْريّ، وعنه يروي الشيخ الكلينيّ.
[6] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص485.
[7] هو عثمان بن سعيد العمري - بفتح العين وسكون الميم - أول النواب الأربعة، يكنى أبا عمرو السمان .
[8] هكذا في النص والظاهر (تنتكسون)، يقال انتكس أي وقع على رأسه (من حشاية البحار).
[9] الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2،ص279.