المضاربة هي: عقد واقع بين شخصين على أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً ليعمل به على أن يكون الربح بينهما.

مسألة 617: يعتبر في المضاربة أُمور :

الأوّل: الإيجاب من المالك والقبول من العامل، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيده عرفاً كقوله: (ضاربتك) أو (قارضتك) وفي القبول (قبلت) وشبهه، وتجرى المعاطاة والفضوليّة في المضاربة، فتصحّ بالمعاطاة، وإذا وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما.

الثاني: البلوغ والعقل والاختيار والرشد في كلٍّ من المالك والعامل.

وأمّا عدم الحَجْر من فَلَس فهو إنّما يعتبر في المالك دون العامل إذا لم تستلزم المضاربة تصرّفه في أمواله التي حجر عليها.

الثالث: أن يكون تعيين حصّة كلٍّ منهما من الربح بالكسور من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، إلّا أن يكون هناك تعارف خارجيّ ينصرف إليه الإطلاق.

الرابع: أن يكون المال معلوماً قدراً ووصفاً، ولا يعتبر أن يكون معيّناً فلو أحضر المالك مالين متساويين من حيث القدر والصفات وقال: (ضاربتك) بأحدهما صحّت، وإن كان الأحوط استحباباً أن يكون معيّناً.

الخامس: أن يكون الربح بينهما، فلو شرط مقدار منه لأجنبيّ لم تصحّ المضاربة، إلّا إذا اشترط عليه القيام بعمل متعلّق بالتجارة المتّفق عليها في المضاربة.

السادس: أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى شخص مالاً ليصرفه في الاسترباح بالزراعة أو بشراء الأشجار أو الأنعام أو نحو ذلك ويكون الحاصل والنتاج بينهما أو دفع إلى الطبّاخ أو الخبّاز أو الصبّاغ مثلاً مالاً ليصرفوه في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما لم تقع مضاربة، ولكن يمكن تصحيحها جعالة.

السابع: أن يكون العامل قادراً على التجارة فيما كان المقصود مباشرته للعمل، فإذا كان عاجزاً عنه لم تصحّ.

هذا إذا أخذت المباشرة قيداً، وأمّا إذا كانت شرطاً لم تبطل المضاربة ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلّف الشرط.

وأمّا إذا لم يكن لا هذا ولا ذاك وكان العامل عاجزاً عن التجارة حتّى مع الاستعانة بالغير بطلت المضاربة.

ولا فرق في البطلان بين تحقّق العجز من الأوّل وطروّه بعد حين، فتنفسخ المضاربة من حين طروّ العجز .

مسألة 618: لا فرق بين أن يقول المالك: (خذ هذا المال مضاربة ولكلٍّ منّا نصف الربح) وبين أن يقول: (والربح بيننا) أو يقول: (ولك نصف الربح) أو (لي نصف الربح) في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلٍّ منهما نصف الربح، وكذلك لا فرق بين أن يقول: (خذه مضاربة ولك نصف ربحه) أو يقول: (لك ربح نصفه)، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفاً.

مسألة 619: تصحّ المضاربة بغير الذهب والفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة من الأوراق النقديّة ونحوها، ولا تصحّ بالبضائع وفي صحّتها بالمنفعة والدين قبل قبضه إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

مسألة 620: تصحّ المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كانت دنانير معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل: (ضاربتك بحصّتي من هذه الدنانير ) صحّ مع العلم بمقدار حصّته.

مسألة 621: إذا دفع إلى غيره البضاعة وقال: (بعها وخذ ثمنها مضاربة) فنفَّذ ذلك صحّ.

مسألة 622: إذا كان له دَيْن على أحد يجوز أن يوكّل أحداً في استيفائه ثُمَّ إيقاع المضاربة عليه، بأن يكون موجباً من طرف المالك وقابلاً من نفسه، وكذا لو أراد أن يكون المدين هو العامل، فإنّه يجوز أن يوكّله في قبض ما يعيّنه من دنانير أو دراهم وَفاءً لدَيْنه ثُمَّ إيقاع عقد المضاربة عليها موجباً وقابلاً من الطرفين.

مسألة 623: لا يعتبر في صحّة المضاربة أن يكون المال بيد العامل، فلو كان بيد المالك وتصدّى العامل للمعاملة صحّت.

مسألة 624: إذا كان لشخص مال في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليه صحّ.

مسألة 625: إذا كان مال غيره في يده على وجه الضمان بغصب ونحوه فضاربه عليه مالكه يرتفع الضمان بذلك، وذلك لأنّ عقد المضاربة في نفسه وإن لم يقتض رضا المالك ببقاء المال في يده - لما عرفت من أنّه لا يعتبر في صحّته كون المال بيد العامل - إلّا أنّ عقد المضاربة من المالك على ذلك المال قرينة عرفيّة على رضاه ببقاء هذا المال في يده وتصرّفه فيه، نعم إذا لم تكن قرينة على ذلك لم يرتفع الضمان.

مسألة 626: المضاربة الإذنيّة - وهي محلّ الكلام هنا - عقد جائز من الطرفين، بمعنى أنّ للمالك أن يسحب إذنه في تصرّف العامل في ماله متى شاء، كما أنّ للعامل أن يكفّ عن العمل متى ما أراد، سواء أكان قبل الشروع في العمل أو بعده، وسواء أكان قبل تحقّق الربح أو بعده، وسواء أكان العقد مطلقاً أو مقيّداً بأجل خاصّ.

نعم لو اشترطا عدم فسخه إلى أجل معيّن - بمعنى التزامهما بأن لا يفسخاه إلى حينه - صحّ الشرط ووجب العمل به سواء جعلا ذلك شرطاً في ضمن نفس العقد أو في ضمن عقد خارج لازم، ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخ أيّهما وإن كان الفاسخ آثماً.

مسألة 627: لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو لغيره إلّا مع إذن المالك خصوصاً أو عموماً كأن يقول: (اعمل به على حسب ما تراه مصلحة) فيجوز الخلط إن رآه مصلحة، ولو خلط بدون إذنه ضمن ما تلف تحت يده من ذلك المال، ولكن هذا لا يضرّ بصحّة المضاربة بل هي باقية على حالها والربح بينهما على النسبة.

مسألة 628: مع إطلاق العقد يجوز البيع حالّاً ونسيئةً إذا كان البيع نسيئة أمراً متعارفاً في الخارج يشمله الإطلاق، وأمّا إذا لم يكن أمراً متعارفاً فلا يجوز بدون الإذن الخاصّ.

مسألة 629: لو خالف العامل المضارب وباع نسيئة بدون إذنه فعندئذٍ إن استوفى الثمن قبل اطّلاع المالك فهو، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء فإن أجاز صحّ البيع وإلّا بطل.

مسألة 630: إطلاق العقد لا يقتضي بيع الجنس بالنقد المتعارف بل يجوز بيعه بغيره - نقداً كان أو بضاعة - إلّا مع انصراف الإطلاق عنه لتعارف أو غيره.

مسألة 631: العامل أمين لا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط، كما أنّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة بل هي واردة على صاحب المال، ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة كما يكون شريكاً معه في الربح بطل الشرط، ولو اشترط أن يكون تمام الخسارة عليه صحّ الشرط ولكن يكون تمام الربح للعامل أيضاً من دون مشاركة المالك فيه، ولو اشترط عليه أن يتحمّل الخسارة - بعضاً أو كلّاً - أي يتداركها من ماله صحّ الشرط ولزم الوفاء به.

مسألة 632: يجب على العامل بعد عقد المضاربة العمل بما يعتاد بالنسبة إليه، وعليه أن يتولّى ما يتولّاه التاجر لنفسه من الأُمور المتعارفة في التجارة اللائقة بحاله، فيجوز له استئجار من يكون متعارفاً استئجاره كالدلّال والحمّال والوزّان والكيّال والمَحَلّ وما شاكل ذلك.

ومن هنا يظهر أنّه لو استأجر فيما كان المتعارف مباشرته فيه بنفسه فالأجرة من ماله لا من أصل المال، كما أنّه لو تولّى ما يتعارف الاستئجار فيه جاز له أن يأخذ الأجرة إن لم يتصدّ له مجّاناً.

مسألة 633: كما يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئاً، كذلك يجوز له الشراء بالكلّيّ في الذمّة على أن يدفعه من مال المضاربة، كأن يشتري بضاعة بألف درهم كلّيّ على ذمّة المالك على أن يؤدّيه من رأس المال، ولو تلف رأس المال حينئذٍ قبل أدائه بطل الشراء إلّا أن يجيزه المالك فيؤدّيه من مال آخر، وهكذا الحال لو اشترى شيئاً نسيئة على ذمّة المالك بإذنه فتلف رأس المال قبل أدائه، ولو كان الشراء بالثمن الكلّيّ في المعيّن فتلف مال المضاربة قبل أدائه بطل الشراء ولا يصحّح بالإجازة.

مسألة 634: لا يجوز للعامل أن يسافر بمال المضاربة برّاً وبحراً وجوّاً والاتّجار به في بلاد أُخَر غير بلد المال إلّا مع إذن المالك أو كونه متعارفاً - ولو بالنسبة إلى ذلك البلد أو الجنس - بحيث لا ينصرف الإطلاق عنه، ولو سافر ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل الربح يكون بينهما كما مرّ، وكذا لو أمره بالسفر إلى جهةٍ فسافر إلى غيرها.

مسألة 635: ليس للعامل أن ينفق في الحضر على نفسه من مال المضاربة شيئاً وإن قلّ، وكذا الحال في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأمّا لو كان بإذنه فله الاتّفاق من رأس المال إلّا إذا اشترط المالك أن تكون نفقته على نفسه، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وأجرة الركوب وغير ذلك ممّا يصدق عليه النفقة اللائقة بحاله على وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه ولو قتّر على نفسه أو حلّ ضيفاً عند شخص فلم يحتج إليها لم يحسب له، ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على نفسه إلّا إذا كانت لمصلحة التجارة.

مسألة 636: المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفيّ لا الشرعيّ، فيشمل ما دون المسافة، كما أنّه يشمل إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد فيما إذا كان لأجل عوارض السفر، كما إذا كان للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو لخوف الطريق وغير ذلك، أو لأُمور متعلّقة بالتجارة كما إذا كان لدفع الضريبة وأخذ الوصل بها، وأمّا إذا بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه، خصوصاً لو كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل.

مسألة 637: إذا كان الشخص عاملاً لاثنين مثلاً أو عاملاً لنفسه ولغيره فسافر لأجل إنجاز العملين فإن كان سفره بتمامه مقدّمة لكليهما توزّعت نفقته عليهما بالسويّة، وإن كان بعضه مقدّمة لأحدهما بالخصوص توزّعت عليهما بالنسبة، فلو توقّف إنجاز أحد العملين على المقام في بلدة يوماً واحداً وتوقّف إنجاز الثاني على المقام فيها خمسة أيّام كانت نفقته في الأيّام الأربعة الباقية على الثاني.

مسألة 638: لا يشترط في استحقاق العامل النفقة تحقّق الربح بل ينفق من أصل المال، نعم إذا حصل الربح بعد هذا تحسب منه ويعطى المالك تمام رأس ماله، فإن بقي شـيء من الربح يكون بينهما.

مسألة 639: إذا مرض العامل في السفر فإن لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة، نعم ليس له أخذ ما يحتاج إليه للبرء من المرض، وأمّا إذا منعه عن شغله فليس له أخذ النفقة على الأحوط لزوماً.

مسألة 640: إذا فسخ العامل عقد المضاربة في أثناء السفر أو انفسخ فنفقة الرجوع عليه لا على المال المضارب به.

مسألة 641: إذا اتّجر العامل برأس المال وكانت المضاربة فاسدة فإن لم يكن الإذن في التصرّف مقيّداً بصحّة المضاربة صحّت المعاملة ويكون تمام الربح للمالك، وإن كان الإذن مقيّداً بصحّة العقد كانت المعاملة فضوليّة فإن أجاز المالك صحّت وإلّا بطلت.

وأمّا العامل فيستحقّ أقلّ الأمرين من أجرة مثل عمله وما جعل له من الربح، وعلى هذا إذا لم تكن التجارة رابحة أو كان فساد المضاربة من جهة اشتراط تمام الربح للمالك لم يستحقّ العامل عليه شيئاً.

مسألة 642: يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة الاتّجار بالمال على حسب ما يراه من المصلحة من حيث الجنس المشترىٰ والبائع والمشتري ومكان البيع وغير ذلك، نعم لو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس المعيّن أو إلّا الجنس المعيّن أو لا يبيع من الشخص المعيّن أو يبيع بسعر معيّن أو في بلد معيّن أو سوق معيّن لم يجز له التعدّي والمخالفة، ولو خالف لم يضرّ ذلك بصحّة المعاملة، فإن كانت رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه وإن كانت خاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو التلف.

مسألة 643: يجوز أن يكون المالك واحداً والعامل متعدّداً، سواء أكان المال أيضاً واحداً أو كان متعدّداً، وسواء أكان العمّال متساوين في مقدار الجُعْل في العمل أم كانوا متفاضلين.

وكذا يجوز أن يكون المالك متعدّداً والعامل واحداً بأن كان المال مشتركاً بين اثنين أو أزيد فضاربا شخصاً واحداً.

ِِِِمسألة 644: إذا كان المال مشتركاً بين شخصين وضاربا واحداً واشترطا له النصف وتفاضلا في النصف الآخر بأن جُعل لأحدهما أكثر من الآخر مع تساويهما في رأس المال أو تساويا فيه بأن كانت حصّة كلٍّ منهما مساوية لحصّة الآخر مع تفاضلهما في رأس المال فالمختار صحّة المضاربة وإن لم تكن الزيادة في مقابل عمل.

ولو كان المقصود من ذلك النقص على حصّة العامل - بمعنى أنّ أحدهما قد جعل للعامل في العمل بماله أقلّ ممّا جعله الآخر، مثلاً جعل أحدهما له ثلث ربح حصّته وجعل الآخر له ثلثي ربح حصّته - صحّت المضاربة بلا إشكال.

مسألة 645: إذا كان رأس المال مشتركاً بين شخصين فضاربا واحداً ثُمَّ فسخ أحد الشريكين دون الآخر بقي عقد المضاربة بالإضافة إلى حصّة الآخر .

مسألة 646: لو ضارب بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة وقعت المضاربة فضوليّة، فإن أجازها المالك وقعت له ويترتّب عليها حكمها من أنّ الخسران عليه والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه، وإن ردّها فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه ويجب على العامل ردّه إليه، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلٍّ من المضارب والعامل مع تسلّمه المال ولكن يستقرّ الضمان على من تلف أو تعيّب المال عنده.

نعم إذا كان هو العامل وكان جاهلاً بالحال مع علم المضارب به فقرار الضمان على المضارب دون العامل، وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة، فإن أمضاها وقعت له وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح ويردّها على تقدير وقوع الخسران، بأن يلاحظ مصلحته فإذا رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردّها.

هذا حال المالك مع كلٍّ من المضارب والعامل، وأمّا معاملة العامل مع المضارب فإذا لم يعمل عملاً لم يستحقّ شيئاً، وكذا إذا عمل وكان عالماً بكون المال لغير المضارب، وأمّا إذا عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ على المضارب أقلّ الأمرين من أجرة مثل عمله والحصّة المقرّرة له من الربح إن كان هناك ربح، وإلّا لم يستحقّ شيئاً.

مسألة 647: تبطل المضاربة الإذنيّة بموت كلٍّ من المالك والعامل، أمّا على الأوّل فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته فإبقاء المال بيد العامل يحتاج إلى مضاربة جديدة، وأمّا على الثاني فلفرض اختصاص الإذن به.

مسألة 648: لا يجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في الاتّجار أو يستأجر شخصاً لذلك - بأن يوكّل إلى الغير أصل التجارة - إلّا أن يأذن له المالك، فلو فعل ذلك بدون إذنه وتلف ضمن.

نعم لا بأس بالاستئجار أو التوكيل في بعض المقدّمات والمعاملات حسب ما هو المتعارف في الخارج بحيث لا ينصرف عنه الإطلاق.

مسألة 649: لا يجوز للعامل أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك، ومع الإذن إذا ضارب غيره كان مرجعه إلى فسخ المضاربة الأُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك، وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأوّل - فصحّته لا تخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.

مسألة 650: يجوز لكلٍّ من المالك والعامل أن يشترط على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً كخياطة ثوب أو نحوها أو إيقاع بيع أو صلح أو وكالة أو قرض أو نحو ذلك، ويجب الوفاء بهذا الشرط ما دام العقد باقياً لم يفسخ سواء أتحقّق الربح بينهما أم لم يتحقّق، وسواء أكان عدم تحقّق الربح من جهة مانع خارجيّ أم من جهة ترك العامل العمل بالتجارة.

مسألة 651: يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقداً - ولا على القسمة، كما أنّه يصير شريكاً مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، وسيأتي حكم مطالبته بالقسمة ونفوذ تصرّفاته في حصّته بالبيع أو الهبة أو نحوهما في المسألة (656) و(658).

مسألة 652: الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة كلّها أو بعضها بعروض الخسران فيما بعد إلى أن تستقرّ، والاستقرار يحصل بانتهاء أمد المضاربة أو حصول الفسخ ولو من غير إنضاض ولا قسمة، وهل تكون قسمة تمام الربح والمال بينهما فسخاً فيحصل بها الاستقرار ؟ المختار ذلك.

مسألة 653: كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف، فلو تلف بعض المال الدائر في التجارة بسبب غرق أو حرق أو سرقة أو غيرها وربح بعضه يجبر تلف البعض بربح البعض حتّى يكمل مقدار رأس المال لربّ المال، فإذا زاد عنه شـيء يكون بينهما.

مسألة 654: إذا اشترط العامل على المالك في عقد المضاربة عدم كون الربح جابراً للخسران المتقدّم على الربح أو المتأخّر عنه صحّ الشرط.

مسألة 655: إذا ضاربه على خمسمائة دينار مثلاً فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة أُخرى للمضاربة كانتا مضاربتين فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الأُخرى، نعم لو ضاربه على ألف دينار مثلاً فدفع إليه خمسمائة أوّلاً فعامل بها ثُمَّ دفع إليه خمسمائة أُخرى فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كلّ من التجارتين بربح الأُخرى.

مسألة 656: إذا ظهر الربح وتحقّق في الخارج فطلب أحدهما قسمته فإن رضي الآخر فلا مانع منها، وإن لم يرض لم يجبر عليها إلّا إذا طلب الأوّل الفسخ.

مسألة 657: إذا اقتسما الربح ثُمَّ عرض الخسران على رأس المال فإن حصل بعده ربح جبر به إذا كان بمقداره أو أكثر، وأمّا إذا كان أقلّ منه أو لم يحصل ربح فإن كان الخسران يحيط بما اقتسماه من الربح وما لم يقتسماه ردّ العامل جميع ما أخذه إلى المالك، وإن كان الخسران أقلّ من ذلك ردّ العامل ممّا أخذه بالنسبة.

مسألة 658: إذا تصرّف العامل في حصّته من الربح تصرّفاً ناقلاً كبيع أو هبة ثُمَّ طرأت الخسارة على رأس المال فإن لم يكن تصرّفه بموافقة المالك لم يصحّ وإلّا صحّ، ولكن إذا كانت موافقته مشروطة بقيام العامل بدفع أقلّ الأمرين ممّا تصرّف فيه من الربح وما يخصّ المتصرّف فيه من الخسارة على تقدير طروّها ولم يفعل العامل ذلك بطل تصرّفه إلّا أن يجيزه المالك.

مسألة 659: لا فرق في جبر الخسارة والتلف بالربح بين الربح السابق واللاحق ما دام عقد المضاربة باقياً، بل تجبر به الخسارة وإن كان التلف قبل الشروع في التجارة كما إذا سرق في أثناء سفر التجارة قبل الشروع فيها أو في البلد قبل الشروع في السفر .

هذا في تلف البعض، وأمّا لو تلف الجميع قبل الشروع في التجارة فهو موجب لبطلان المضاربة، إلّا فيما إذا كان تلفه على وجه مضمون على الغير فإنّ المضاربة لا تبطل حينئذٍ مع قيام ذلك الغير بتعويض المالك عمّا تلف.

مسألة 660: إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا شـيء للعامل كما لا شـيء عليه، وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض، إذ مع حصول الربح يقتسمانه ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله ولا شـيء للعامل ولا عليه.

مسألة 661: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ في الأثناء بعد التشاغل بالعمل فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شـيء ولا أجرة لما مضى من عمله سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ القهريّ، ولو كان في المال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض، وإن كان بعد حصول الربح فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل فيقتسمان الربح ويأخذ كلّ منهما حقّه.

وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظر إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ذلك، وأمّا إن طالب أحدهما بالقسمة ولم يرض الآخر أجبر عليها إلّا إذا كانت قسمة ردٍّ أو كانت مستلزمة للضرر كما هو شأن الأموال المشتركة على ما تقدّم في كتاب الشركة.

مسألة 662: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف مقدار من رأس المال في نفقته ففي ضمانه لما صرفه وعدمه وجهان، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.

مسألة 663: إذا كانت في مال المضاربة ديون فهل يجب على العامل أخذها بعد الفسخ أو الانفساخ أو لا؟ وجهان، والأحوط لزوماً إجابة المالك لو طلب منه ذلك.

مسألة 664: لا يجب على العامل بعد الفسخ إلّا التخلية بين المالك وبين ماله وأمّا الإيصال إليه فلا يجب، نعم إذا أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك وجب الردّ إلى بلده.

مسألة 665: إذا اختلف المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل بأن ادّعى المالك الزيادة وأنكرها العامل قدّم قول العامل مع يمينه إذا لم تكن للمالك بيّنة عليها، ولا فرق في ذلك بين كون رأس المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل.

هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح، كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أنّ الذي بيده هو مال المضاربة، إذ يرجع النزاع في قلّة رأس المال وكثرته عندئذٍ إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود، فإنّه على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر فيكون نصيب العامل أزيد وعلى تقدير كثرته بالعكس، فالقول حينئذٍ قول المالك مع يمينه إذا لم تكن بيّنة للعامل عليها.

مسألة 666: إذا اختلفا في المقدار الذي جعل نصيباً للعامل في المضاربة بأن يدّعي المالك الأقلّ والعامل يدّعي الأكثر فالقول قول المالك بيمينه إذا لم يكن للعامل بيّنة عليها.

مسألة 667: إذا ادّعى المالك على العامل الخيانة والتقصير ولم يكن له بيّنة فالقول قول العامل بيمينه.

مسألة 668: لو ادّعى المالك على العامل مخالفته لما شرط عليه ولم يكن له بيّنة قدّم قول العامل بيمينه، سواء أكان النزاع في أصل الاشتراط أو في مخالفته لما شرط عليه، كما إذا ادّعى المالك أنّه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلانيّ وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه، نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلّا بإذنه كما لو سافر بالمال فتلف أو خسر فادّعى كونه بإذن المالك وأنكره قدّم قول المالك بيمينه.

مسألة 669: لو ادّعى العامل التلف وأنكره المالك قدّم قول العامل، وكذا الحال إذا ادّعى الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع فرض كونه مأذوناً في المعاملات النسيئة، ولا فرق في سماع قول العامل في هذه الفروض بين أن تكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده، بل يُسمع قوله حتّى فيما إذا ادّعى بعد الفسخ التلف بعده إلّا إذا كان بقاء المال في يده بعد الفسخ على وجه مضمون عليه.

مسألة 670: لو اختلفا في الربح ولم يكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره، بل وكذا الحال فيما إذا قال العامل: (ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح).

مسألة 671: إذا ادّعى العامل ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المالك بيمينه.

مسألة 672: إذا اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال: (اشتريتها لنفسي) وقال المالك: (اشتريتها للمضاربة)، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراها للمضاربة وقال صاحب المال: (بل اشتريتها لنفسك) قدّم قول العامل بيمينه.

مسألة 673: إذا حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك القرض ليحقّ له المطالبة بالعوض وادّعى العامل المضاربة ليدفع التلف والخسارة عن نفسه قدّم قول العامل بيمينه، ويكون التلف والخسارة على المالك.

مسألة 674: إذا حصل ربح بما يزيد حصّة العامل منه على أجرة مثل عمله فادّعى المالك المضاربة الفاسدة لئلّا يكون عليه غير أجرة المثل ويكون الربح له بتمامه، وادّعى العامل القرض ليكون له الربح فالقول قول المالك بيمينه، وبعده يحكم بكون الربح للمالك وثبوت أجرة المثل للعامل.

مسألة 675: إذا ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة - وهي دفع المال إلى الغير للتجارة مع كون تمام الربح للمالك - فلا يستحقّ العامل شيئاً عليه، وادّعى العامل المضاربة لتكون له حصّة من الربح قدّم قول المالك بيمينه فيحلف على نفي المضاربة، فلا يكون للعامل شـيء ويكون تمام الربح - لو كان - للمالك، ولو لم يكن ربح أصلاً فلا ثمرة في هذا النزاع.

مسألة 676: تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدّمة إنّما هو فيما إذا لم يكن مخالفاً للظاهر، وإلّا قدّم قول خصمه بيمينه إذا لم يكن كذلك، مثلاً لو اختلفا في رأس المال فادّعى العامل كونه بمقدار ضئيل لا يناسب جعله رأس مال في التجارة المقرّرة في المضاربة وادّعى المالك الزيادة عليه بالمقدار المناسب قدّم قول المالك بيمينه، وكذا لو اختلفا في مقدار نصيب العامل من الربح فادّعى المالك قلّته بمقدار لا يجعل عادةً لعامل المضاربة كواحد في الألف وادّعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف قدّم قول العامل بيمينه، وهكذا في سائر الموارد.

مسألة 677: إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة على تعطيله ويعدّ معه متوانياً متسامحاً كالتأخير بضعة أشهر مثلاً، فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف لكن لم يستحقّ المالك عليه غير أصل المال، وليس له مطالبته بالربح الذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به.

مسألة 678: يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمالٍ وجعل الجُعْل حصّة من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلاً : (إذا اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه) فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة فلا يعتبر كون رأس المال من النقدين أو ما بحكمهما بل يجوز أن يكون دَيْناً أو منفعة.

مسألة 679: يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، وكذا القيّم الشرعيّ كالوصيّ والحاكم الشرعيّ مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة، بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه إلى الغير بالمضاربة وصرف حصّة الميّت من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث بنظر الوصيّ فرأى الصلاح في ذلك.

مسألة 680: إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال، وإن علم بوجوده فيه من غير تعيين - بأن كان ما تركه مشتملاً على مال نفسه ومال المضاربة أو كان عنده أيضاً ودائع أو بضائع لأُناس آخرين واشتبه أعيانها بعضها مع بعض - يعمل بما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال مُلّاك متعدّدين بعضها مع بعض، وهل هو بإيقاع المصالحة أو بإعمال القرعة أو بإيقاع الأُولى فإن لم يتيسّر فبإعمال الثانية؟ وجوه أصحّها الأخير .

نعم لو علم المال جنساً وقدراً وقد امتزج بمال العامل على نحو تحصل به الشركة يكون المجموع مشتركاً بين ربّ المال وورثة الميّت فيقاسمانه بالنسبة.

مسألة 681: إذا مات العامل وعلم بعدم بقاء مال المضاربة في تركته واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه أو تلف بتقصير منه أو بغيره لم يحكم عليه بالضمان ويكون الجميع لورثته بلا تعلّق حقّ للمالك بها، وكذا لو احتمل بقاؤه فيها ولم يثبت ذلك.