عمره (عليه السلام)

حيّ غائب عن الأنظار، يخرج في آخر الزمان بإرادة الله عزّ وجل، نسأله تعالى أن يُعجّل بظهوره (عليه السلام) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

 إمكان العمر الطويل:

سؤال: قد يثار تساؤل عن إمكان بقاء الإمام المهدي (عليه السلام) أكثر من أحد عشر قرناً، وهل من الممكن أن يعيش المرء هذه الفترة المديدة دون أن تجري عليه قوانين الطبيعة التي تحتّم مروره بمرحلة الهرم فالشيخوخة فالوفاة ؟!

في الإجابة على هذا التساؤل يمكن مناقشة الإمكان في هذه الحالة على ثلاثة مستويات:

1 ـ الإمكان المنطقي: أي ما لا يمنع العقلُ حدوثه، وما لا يستحيل عقلاً.

2 ـ الإمكان العِلمي: وهو ما لا يمتنع من الناحية العِلمية الصرفة، أي أنّ العلم لا يمنع حدوثه ووجوده فعلاً.

3 ـ الإمكان العملي: ويُراد به ما هو ممكن فعلاً وواقعاً، أي ما هو متحقّق وموجود ظاهراً في الخارج.

أمّا الإمكان المنطقي: فإنّ امتداد العمر فوق الحدّ الطبيعي ليس في دائرة المستحيل، نعم هو ليس مألوفاً ومُشاهداً في العادة، بَيْد أنّ التاريخ نقل حالات كثيرة من هذا القبيل، فقد أخبرنا القرآن الكريم عن طول عمر النبيّ نوح (عليه السلام) في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ... )[1]،
وهذا ـ بطبيعة الحال ـ غير عمره قبل النبوّة، وأخبرنا أيضاً عن بقاء عيسى حيّاً، وورد في الروايات المتواترة التي تناقلها عامة المسلمين أنّه سينزل فيصلّي خلف المهديّ (عليه السلام)، إضافة إلى ما تواتر بين المسلمين من امتداد عمر الخضر (عليه السلام).

عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول:  ( في القائم سنة من نوح وهو طول العمر) [2] .

ومتى اعتقد المسلم بأنّ الله تعالى أراد أن يُعمِّر نوحاً (عليه السلام) هذه المدّة الطويلة، وأراد أن يُبقي عيسى (عليه السلام) في العالم الآخر طوال هذه المدّة، وأراد كذلك أن يبقي الخضر(عليه السلام)[3] هذه المدّة المديدة، وأمكن أن يُبقيَ الشيطان ـ وهو عدوّه اللدود ـ إلى يوم يُبعثون لحكمةٍ ما، فلماذا يستبعد أن يعمّر الله تعالى خاتم الأوصياء الإمام المهديّ(عليه السلام)؛ لينشر العدل والقسط في أرجاء البسيطة، وليُظهر الإسلام على الدين كلّه، كما وعَدَ القرآنُ الكريم ووعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟!

وأمّا الإمكان العِلميّ: فالعلم نفسه يصرح أن الخلية الحية فيها القابلية للبقاء حية مدة غير محدودة إذا توفرت لها عوامل البقاء، حتى صار هذا الرأي هو الرأي السائد علميا عند أهل الاختصاص من علماء الحياة.

وأما الجانب العملي: فإنّ التجارب المعاصرة على الرغم من إخفاقها ـ في ضوء الإمكانات المتاحة ـ في إطالة عمر الإنسان إلى حدّ كبير.. فهذا لا يدلّ على عدم إمكان طول عمر الإنسان؛ لأنّ الإمكان العملي ينحصر بمحاولات إطالة العمر الطبيعي للإنسان بِيد الإنسان نفسه، فإذا قلنا إنّ الله سبحانه يوفّر الأسباب الكفيلة بإدامة حياة الفرد المعمَّر، وأنّ دَور العِلم ليس أكثر من اكتشاف هذه الأسباب ـ لأن إبداع الأسباب منحصر بيده تعالى ـ ظهر تفسير الإمكان العلمي الآتي الذي نتحدّث عنه.

والتجارب العلميّة آخذة بالازدياد لإطالة عمر الإنسان أكثر من المعتاد، والعلماء يسعون جاهدين لتحويل هذا الإمكان العلمي إلى إمكان عملي واقعيّ ملموس، وغاية سعيهم هو بلوغ أمرٍ صرّح بوقوعه القرآن الكريم حين أخبرنا عن حياة نوح (عليه السلام) الطويلة.

ونلفت الأنظار إلى أنّ تعطيل القانون الطبيعي المألوف أمر يؤمن به الفرد المسلم، فقد صرّح القرآن الكريم بأنّ النبيّ إبراهيم (عليه السلام) أُلقي في النار العظيمة التي من شأنها الإحراق، فأنجاه الله تعالى بالمعجزة، قال تعالى: ( قُلْنَا  يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) [4] .

 وقد أصبحت هذه المعجزة وأمثالها من معاجز الأنبياء(عليهم السلام)ـ بمفهومها الدينيّ ـ أقرب إلى الفهم بدرجةٍ كبيرة في ضوء المعطيات العلميّة الحديثة، فلقد كنّا نقرأ في الروايات ـ قبل اختراع التلفزيون ـ أنّه سيكون في آخر الزمان يَرى ويسمع مَن في المشرق مَن هو في المغرب، وكان البعض حينذاك يستبعده ويعدّه من غير المعقول، ثمّ صرنا نشاهده بأُمّ أعيننا، ونقول هنا: إنّ استبعاد أمرٍ ما لمجرّد عدم كونه مألوفا ليس مقبولاً منطقيّاً، وليس مُبرَّراً علميّاً، إذا كان ذلك الأمر المستبعَد يقع في دائرة الإمكان العلمي والمنطقي، وقامت عليه الشواهد والأدلّة، بل تحققت نظائر له في التاريخ.

 


[1] سورة العنكبوت: آية 14.

[2] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص322.

[3] ذكر ابن حجر في الإصابة الخضرَ من جملة الصحابة، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات:ج1،ص176،الرقم 147: أنّ جمهور العلماء يعتقدون أن الخضر حيّ، وكذلك قال القاري في مرقاة المفاتيح: ج9،ص692.كتاب الفتن.

[4] سورة الأنبياء: آية 69.