تعامل السلطة العباسية مع الحدث

لقد تعاملت السلطة العبّاسيّة بعد شهادة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) مع عائلته تعاملاً يدلّ على خيفة من مولودٍ خطير خَفِيَ عنها، فراحت تبحث عنه بكل ما أُوتيت من وسيلة وقدرة، حيث أمر المعتمد العباسيّ المتوفّى سنة 279 هـ
شرطته بتفتيش دار الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهديّ (عليه السلام)، وأمر بحبس جواري أبي محمّد العسكريّ (عليه السلام)، واعتقال حلائله يساعدهم على ذلك جعفر الكذّاب، وأجرى على مخلّفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلك كلَّ عظيمة، من: اعتقال، وحبس وتهديد، وتصغير، واستخفاف وذلٍّ ولم يظفر السلطان منهم بطائل)[1].

ولو لم يكن مولوداً حقّاً، فما معنى حبس الجواري وبثّ القابلات لتفتيش مَن بهن حَمْل، ومراقبتهنّ مدّة لا تُصدَّق؛ إذ بقيت إحداهنّ تحت المراقبة لمدة سنتين! كلّ هذا مع مطاردة أصحاب الإمام العسكريّ (عليه السلام) والتشنيع عليهم، مع بثّ العيون للتجسّس عن خبر المهديّ (عليه السلام)، وكبس داره بين حين وآخر.

ثمّ ما بال السلطة لم تقتنع بما زعمه جعفر من أنّ أخاه (عليه السلام) مات ولم يخلّف ؟!، أمَا كان بوسعها أن تُعطيَه حقَّه من الميراث وينتهي كلُّ شيء من غير هذا التصرُّف الأحمق الذي يدلّ على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى فرَجَه الشريف!

كلُّ ذلك يقطع بأنّ السلطة كانت على يقين بأن الإمام المهديّ الموعود (عليه السلام)
هو الحلقة الأخيرة من حلقات السلسلة المطهّرة التي لا يمكن أن تنقطع بوفاة الإمام الحادي عشر (عليه السلام)، خصوصاً بعد أن تواتر لدى الجميع قولُه (صلى الله عليه وآله): (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) [2] ومعنى عدم ولادة المهديّ (عليه السلام)، أو عدم استمرار وجوده، انقراض العترة، وهذا ما لا يقوله أحد من خلفاء العباسيّين؛ لأنّه تكذيب لنبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بل لا يقوله أحد من المسلمين إلاّ من هان عليه أمر هذا التكذيب، أو مَن خدع نفسه بتأويل حديث الثقلين وصرَفَ دلالته إلى ما لم يأتِ به سلطانٌ مبين .

 


[1] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص336.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج2،ص415.