ولادته (عليه السلام)

ولد في 15 شعبان 255ﻫ بمدينة سامراء، فأشرقت سماء الدنيا بالوليد العظيم والمصلح الأكبر الذي يعيد للإسلام بهجته ونعمته على الناس وينقذ الإنسان من ظلمات الجور والطغيان، وكان من عظيم ألطاف الله عليه وعنايته به أن أخفى حمله وولادته كما أخفى ولادة نبيه موسى بن عمران(عليه السلام).

عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا(عليهما السلام) قالت: بعث إلي أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال(عليه السلام):  (يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي)، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي علي وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد(عليه السلام)، وهو جالس في صحن داره، وجواريه حوله فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو؟ قال(عليه السلام): من سَوسن فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سَوسن، قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسَوسن وبآيتها في بيت واحد، فغفوت غفوة  ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد(عليه السلام) من أمر ولي الله(عليه السلام) فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سَوسن فزعة وخرجتْ وأسبغت الوضوء ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر  قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد(عليه السلام)، فناداني(عليه السلام) من حجرته: (لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى)، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) ومما وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت، فقلت: بأبي أنتِ  وأمي  هل تحسين شيئا؟ قالت: نعم يا عمة  إني لأجد أمرا شديدا قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت، وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزه شديدة ثم أنَّتْ أنَّةً وتشهدت، ونظرتُ تحتها، فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقيا الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري، فإذا هو نظيف مفروغ منه، فناداني أبو محمد(عليه السلام): يا عمة هلمي فآتيني بابني) فأتيته به، فتناوله وأخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحها، ثم أدخله في فيه فحنكه ثم [أدخله]  في أذنيه وأجلسه في راحته اليسر، فاستوي ولي الله جالسا، فمسح يده على رأسه وقال له: يا بني أنطق بقدرة الله، فاستعاذ ولي الله (عليه السلام) من الشيطان الرجيم واستفتح: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[1]، وصلى على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلى أمير المؤمنين والأئمة(عليهم السلام) واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمد (عليه السلام) وقال: (يا عمة رديه إلى أمه حتى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فرددته إلى أمه وقد انفجر الفجر الثاني، فصليت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس، ثم ودعت أبا محمد (عليه السلام) وانصرفت إلى منزلي ....)[2].

تحقّق ولادة الإمام المهديّ(عليه السلام):

إنَّ ولادة أي إنسان في هذا الوجود تثبت بإقرار أبيه، وشهادة القابلة، وإن لم يره أحد قط غيرهما، فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الأنساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه المقربون إليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وأنصاره في كل عصر وجيل بالملايين، كما سوف نذكر ذلك بشيء من الإجمال.

السرية والكتمان في أمر ولادته (عليه السلام):

 كان لابدّ أن تكون ولادة الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر « عجلّ الله فرَجَه » مقرونةً بالسرَيّة والكتمان؛ حتّى تتسنّى له الغَيبة بعد ذلك والاختفاء عن الأنظار إلى مكان آمنٍ يختاره الله له إلى حين يأذن له بالظهور، باعتباره الكوكبَ الأخير في سماء الإمامة، والإمامَ الذي لا إمام للمسلمين بعدَه، وهذا المعنى يستلزم حياةً خفيّة وعُمراً مديداً وولادة سرّيّة، حتّى يبقى موقع الإمامة مشغولاً على مدى الدهر بإمام من الأئمّة الاثني عشر(عليهم السلام): ظاهرٍ أو غائب.

وحينئذ، فمِن غير المناسب أن يُقال: لماذا لم تكن ولادة الإمام، ووجوده بعد أبيه أمراً مشهوداً، ملموساً لكلِّ مَن أراد؛ حتّى نصدّق به؟ فإنه لو كان كذلك لما تيسّرت له الغَيبة والاختفاء عن الأنظار، ولَما كان هو الإمامَ الثاني عشر، ولكان الأئمّة أكثرَ من هذا العدد، وهذا ما يخالف الأدلّة النبويّة المذكورة، فالولادة السرّيّة من المستلزمات والمقتضيات الطبيعية لتلك الأدلّة.

وما دامت القضية سرّيةً مكتومة، والمطّلعون عليها عددٌ محدود من الناس، بنحو يسمح للآخرين التساؤل ما داموا محجوبين عن الحقيقة السريّة المكتومة، بحيث لو سألهم سائل عن ولادة الإمام المهديّ ووجوده  وحياته، لأنكروا ذلك، ولنقلوا عن سائر الناس أنّهم أيضاً لم يروه ولم يسمعوا بخبر ولادته ووجوده، فنحن لا نتحدّث عن قضيّة ماديّة محسوسة للناس بكلّ أبعادها وجهاتها، أو تخضع لتسجيلٍ تاريخيٍّ كامل حتّى نعتمد في إثباتها وإنكارها على المؤرّخين والرواة، وإنّما نتحدّث من حيث الأساس عن قضيّة غيبيّة، إلاّ أنّها ليست غيبيّةً بنحوٍ مطلق، وإنّما لها شعاع محسوس يطّلع عليه أفراد منتخَبون، يطّلعون على ولادته فيشهدون عليها، وعلى غيبته الصغرى فيشهدون عليها، وعلى غيبته الكبرى فيشهدون عليها؛ ولهذا نقول: إنّ مفهوم أهل البيت(عليهم السلام) عن الإمام المهديّ (عليه السلام) مفهوم عقائديّ، بمعنى أنّ إنكار المنكِرين في مثل قضية الإمام المهديّ (عليه السلام) لا يكون حجّةً تاريخيّة منطقيّة لإثبات عدم وجوده، ما دمنا قد أذعنّا منذ البداية أنّ القضيّة سريّةٌ مكتومة، ومن الضروريّ الاكتفاء من ناحية البحث التاريخي بإثبات وجود مَن رآه واطّلع عليه وسمع بوجوده وأذعن له.

الأدلة على ولادة الإمام (عليه السلام):

ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلتُ لأبي محمد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال (عليه السلام): سلْ، قلتُ: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال (عليه السلام): نعم، فقلتُ: فإنْ حدث بك حدث فأين اسأل عنه؟ قال: بالمدينة ) [3]

وعن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) قال: سمعته يقول:  والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه) [4]

وعن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه وقال (عليه السلام): ( هذا صاحبكم من بعدي ) [5]

وعن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال: أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه وسلمت فقال (عليه السلام): ما الذي أقدمك؟ قال: قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: فألزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال قال: فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى، ثم ناداني ادخل، فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: اكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد (عليه السلام))[6].

شهادة القابلة بالولادة:

من أدلة ولادته(عليه السلام) هو شهادة القابلة، وهي أُخت إمام، وعمّة إمام، وبنت إمام، العلويّة الطاهرة « حكيمة » بنت الإمام محمّد الجواد، وأُخت الإمام الهادي، وعمّة الإمام العسكريّ، حيث صرّحت بمشاهدة ولادة الإمام الحجّة المهديّ(عليه السلام) ليلةَ مولده، وهي التي تولّت أمر نرجس والدة الإمام الحجّة
المهديّ(عليه السلام)، وبإذنٍ من أبيه الحسن العسكريّ(عليهما السلام)، فعن الحسين بن رزق الله أبو عبد الله قال: حدثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال: حدثتني حكيمة ابنة محمد بن علي - وهي عمة أبيه - أنها رأته ليلة مولده وبعد ذلك) [7]

الروايات التي تصرح بغيبته (عج):

إن روايات الغيبة هي بنفسها تثبت الولادة  إذ أن الغيبة معناها أنه (عليه السلام) ولد و إن كانت الظروف  السرية موجودة  ثم غاب عن أنظار الناس ونكتفي بذكر رواية واحدة .

 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا و ظلما ) [8]

 


[1] سورة القصص: آية 5و6.

[2] الغيبة للشيخ الطوسي: ص236.

[3] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص328.

[4] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص440.

[5] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص328.

[6] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص329.

[7] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص331.

[8] ينابيع المودة للقندوزي: ج3،ص269.