كرامات الإمام (عليه السلام)

يتميّز الأئمة (عليهم السلام) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة، ولَهُم ـ مثل الأنبياء في معاجزهم ـ كرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى، وكونَهم أئمة، وللإمام العسكري (عليه السلام)  كراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، حتى حفلت كتب الحديث بكرامات الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)، التي تفيض عن حدود هذا الكتاب المختصر، وإنما نسوق بعضها لنزداد معرفة بحقه (عليه السلام)، وبأن أئمة الهدى (عليهم السلام) نور واحد  وذرية طيبة بعضها من بعض اصطفاها الله لبلاغ رسالاته واتمام حجته، واكمال نعمه علينا ..

تعالوا نستمع معاً إلى الرواة كيف قصوا علينا تلك الكرامات:

أ-  عن علي بن شابور  قال: «قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)، فأمر المتوكّل بالاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّام يستسقون ويدعون فما سقوا، وخرج الجاثليق في اليوم الرابع مع النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب، فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر، وخرجوا في اليوم الثاني فمطرت السماء، فشكّ أكثر الناس وتعجّبوا وصبوا إلى دين النصرانية، فأنفذ المتوكّل إلى الحسن العسكري(عليه السلام)، وكان محبوساً فأخرجه من الحبس، وقال: إلحق أُمّة جدّك (صلى الله عليه وآله) فقد هلكت.

فقال(عليه السلام): (إنّي خارج ومزيل الشك إن شاء الله تعالى)، قال: فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن(عليه السلام) في نفرٍ من أصحابه، فلمّا بصر بالراهب قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه، ففعل، وأخذ منه عظماً أسود، فأخذه الحسن(عليه السلام) وقال له: (استسق الآن) فاستسقى وكان في السماء غيم  فتقشّع الغيم وطلعت الشمس بيضاء، فقال المتوكّل: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟ فقال(عليه السلام): (إنّ هذا الرجل مرّ بقبر من قبور الأنبياء فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبي إلّا هطلت السماء بالمطر)[1].

ب- سُلّم الإمام الحسن(عليه السلام) إلى حبّاس كان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتّق الله فإنّك لا تدري مَن في منزلك، وذكرت له صلاحه وعبادته، وقالت: إنّي أخاف عليك منه.

فقال: والله لأرمينّه إلى السباع، ثمّ استأذن الخليفة في ذلك فأذن له، فرمى به إليها ولم يشكّوا في هلاكه، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه(عليه السلام) قائماً يصلّي والسباع حوله، فأمر بإخراجه إلى داره[2].

ولله درّ من قال:

لحى الله هذا الخارجي بما جنا               على من له أمر الخلافة والأمر

أيرمي بهذا النور بغيـــاً ببركة              السباع ولم ينهه  ردع ولا زجر

فنفسي فداء الذي جار دهــره                عليه فأرداه الخداعة والعذر

فإنّي عليه بعد ذلك في غنــــىً              ونيران أحزاني يزيد لها سعر

وكيف وقد مضّت مصيـبته التي           تكوّر منها الشمس والنجم والبدر

وخرّت له السبع الطباق وزلزلت        لها طبقات الأرض بل نضب البحر

فيا مدّعي حبّ الإمام فنـح له                بشجـوٍ عظيم في الزمان له نشر

وشقّ له جيب التصـــبّر والعزا        ومت أسفاً حيّاً وإن ضمّك القبر

وقال الشيخ محمّد حسين الأصفهاني H بالمناسبة:

حتّى إذا أُلقي  في السبـــــاع                 وهو ابن ليث غابة الإبداع

شبـــــل علي أســد الله ولا                  يرى لديه الأسد إلّا مثلا[3]

ج- وروى أبو هشام الجعفري فقال: شكوت إلى أبي محمد (الإمام العسكري (عليه السلام)) ضيق الحبس وشدة القيد، فكتب إليّ: أنت تصلي الظهر في منزلك، فاخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي[4].

د- روي عن أبي حمزة نصير الخادم قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت: هذا وُلد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن (أي والده الإمام الهادي (عليه السلام)) ولا رآه أحد فكيف هذا؟ أحدث بهذا نفسي، فأقبل عليّ وقال: إن الله بيّن حجته من بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق[5].

 


[1] كشف الغمة الإربلي :ج3، ص226.

[2] وفيات الأئمّة لمجموعة من العلماء الاعلام: ص410.

[3] شرح احقاق الحق لسيد المرعشي :ج33،ص890.

[4] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 50،ص267.

[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 50، ص 268.