بسم الله الرحمن الرحيم
حياة العظماء مصدر إشعاع للفكر، ومنهل عذب للخير، وينبوع فياض بالحكمة، ورصيد ضخم في الكمال والمعرفة، وطاقة جبارة في العلم والأدب تستوحي الأمة منها الإيمان الصادق، والعقيدة الحقة، والذود عن المبدأ، والخُلق الكريم، والمُثل والكرامة، فهي مدرسة كبرى للإنسانية، ومعالم وضاءة لتحقيق الحق والعدالة، وليس هناك في الأمة مَن يساوي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في عظمتهم وفضلهم، ولا يباريهم في شرفهم ونسبهم، ولا يرتفع إليهم في مقامهم ومكانتهم، فهم عيش العلم، وموت الجهل، وأصول الكرم، وقادة الأمم، والثقل الذي تركه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بين ظهراني الأمة، وجعلهم نظراء للقرآن الكريم، ونصّبهم خلفاء له (صلى الله عليه وآله) على الناس، وحكاماً على الخلق، وساسةً للعباد، وأمراء على البلاد.
وجدير بنا بعد أن تقاذفتنا تيارات متعاكسة، وأهواء مختلفة وفتن هوجاء، أن نرجع إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ميمّمين شطرهم، آخذين بتعاليمهم، متّبعين لأوامرهم، لنستعيد ماضينا المجيد، ونحقق ما نصبوا إليه من خير وسعادة .
ودراسة سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تعدّ إحدى الركائز الأساسية في البناء العقائدي والفكري والسلوكي لديننا القويم، ذلك أنهم عِدل القرآن الكريم، والامتداد الرسالي لمنهج النبوة، والحارس الأمين للقيم والمفاهيم الإسلامية في وجه التشويه والتحريف والضلال.
إنها سيرة معصومة تكشف عن سلوك القدوة الحسنة بكل تجلياتها، وتربط المرء بالمفاهيم الإسلامية في أصالتها، وتفتح له آفاقاً جديدة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك ومن هنا فإن الكتابة عنها لا تنتهي، مهما تعددت الدراسات وتنوعت أساليبها، ذلك مما يجده الباحثون من حالة التواصل مع دلالاتها التي تتسع بسعة الحياة وتستغرق كل مفرداتها، وتسير بها باتجاه حركة التكامل المطلوب على صعيد الفرد والاُمّة، والإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أحد أعلام هذا البيت الطاهر، وهذه شذرات من حياته المباركة بين يديك أخي القارئ، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بها في الدارين، إنه سميع مجيب .