كرامات باهرة

عن يحيى بن هرثمة قال: أنا أشخصتُ أبا الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى سُرّ من رأى في خلافة المتوكّل، فلمّا صرنا ببعض الطريق عطشنا عطشاً شديداً، فتكلّمنا وتكلّم الناس في ذلك، فقال أبو الحسن (الهادي) (عليه السلام): (الآن نصير إلى ماء عذب نشربه)، فما سرنا إلاّ قليلاً حتّى سرنا تحت شجرةٍ عظيمة ينبع منها ماء عذب بارد، فنزلنا عليه وارتوينا، وحملنا وارتحلنا، وكنتُ علّقتُ سيفي على الشجرة فنسيتُه، فلمّا صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرتُه، فقلت لغلامي: ارجع حتّى تأتيني بالسيف، فمرّ الغلام ركضاً، فوجد السيف وحمله ورجع دَهِشاً متحيّراً، فسألتُه عن ذلك فقال لي: إنّي رجعتُ إلى الشجرة فوجدتُ السيف معلّقاً عليها، إذْ لا عينٌ ولا ماء ولا شجر، فعرفت الخبر، فصرتُ إلى أبي الحسن فأخبرته بذلك، فقال: احلفْ أن لا تذكر ذلك لأحد، فقلت: نعم[1].

وعَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) فَقُلْتُ لَه جُعِلْتُ فِدَاكَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ والتَّقْصِيرَ بِكَ حَتَّى أَنْزَلُوكَ هَذَا الْخَانَ الأَشْنَعَ خَانَ الصَّعَالِيكِ، فَقَالَ(عليه السلام): (هَا هُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ)، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِه وقَال(عليه السلام)َ:
(انْظُرْ)، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ آنِقَاتٍ ورَوْضَاتٍ بَاسِرَاتٍ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ ووِلْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ وأَطْيَارٌ وظِبَاءٌ وأَنْهَارٌ تَفُورُ فَحَارَ بَصَرِي وحَسَرَتْ عَيْنِي فَقَال(عليه السلام): (حَيْثُ كُنَّا فَهَذَا لَنَا عَتِيدٌ لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكِ)[2].

وعن ابن عيّاش: حدّثني أبو طاهر الحسن بن عبد القاهر الطاهريّ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الأشتر العلويّ قال: كنت مع أبي على باب المتوكّل ـ وأنا صبيّ ـ في جمع من الناس ما بين طالبيّ إلى عبّاسيّ وجعفريّ إلى جنديّ.. وكان إذا جاء أبو الحسن (الهادي) (عليه السلام) ترجّل الناس كلّهم حتّى دخل، فقال بعضنا لبعض: لِمَ نترجّل لهذا الغلام ؟! وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سِنّاً واللهِ لا ترجّلْنا له، فقال: أبو هاشم الجعفري: واللهِ لتترجَّلُنّ له صاغرين إذا رأيتموه.

فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلُّهم، فقال لهم أبو هاشم الجعفري: أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له؟! فقالوا: واللهِ ما مَلَكْنا أنفسَنا حتّى ترجَّلْنا)[3].

وكتب الشيخ سليمان القندوزي الحنفيّ المذهب في (ينابيع المودّة):

نُقل عن المسعودي (صاحب مروج الذهب) أنّ المتوكّل أمر بثلاثةٍ من السباع فجِيء بها في صحن قصره، ثمّ دعا الإمام عليَّ النقيَّ (الهادي) (عليه السلام).. فلمّا دخل أغلق المتوكّل باب القصر، فدارت السباع حوله وخضعت له وهو يمسحها بكُمّه، ثمّ صعد إلى المتوكّل وتحدّث معه ساعةً ثم نزل، ففعلت السباع معه كفعلها الأوّل حتّى خرج.. فأتْبعه المتوكّل بجائزة عظيمة.

قيل للمتوكّل: إن ابن عمّك (أي الإمام الهادي (عليه السلام)) يفعل بالسباع ما رأيت، فافعلْ بها ما فعل ابن عمّك، قال: أنتم تريدون قتلي، ثمّ أمَرَهم أن لا يُفشوا ذلك[4].

وعن محمد بن الحسن الجهني قال: حضر مجلس المتوكل مشعبذ هندي فلعب عنده بالحق فأعجبه فقال له المتوكل: يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله، قال: فلما حضر أبو الحسن (عليه السلام) المجلس لعب الهندي فلم يلتفت إليه، فقال له: يا شريف ما يعجبك لعبي؟ كأنك جائع، ثم أشار إلى صورة مدورة في البساط على شكل الرغيف، وقال: يا رغيف مر إلى هذا الشريف، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن (عليه السلام) يده على صورة سبع في البساط وقال (عليه السلام): (قم فخذ هذا)  فصارت الصورة سبعا وابتلع الهندي وعاد إلى مكانه في البساط فسقط المتوكل لوجهه وهرب من كان قائما[5].

وبهذا نكتفي، وقد قال ابن الصبّاغ المالكيّ المذهب  وأمّا مناقبه (أي علي الهادي (عليه السلام))، فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة (الشافعيّ): فمنها ما حلّ في الآذان محلَّ جلاها بأشنافها، واكتناف اللآلي اليتيمة بأصدافها، وشَهِد لأبي الحسن عليّ (عليه السلام) أنّ نفسه موصوفة بنفايس أوصافها، وأنّه نازل في الدرجة النبويّة في دار أشرافها، وشرفات أغرافها...)[6].

 


[1]  الثاقب في المناقب ابن حمزة الطوسي: ص531.

[2]  الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص498.

[3]  إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي: ج2، ص119.

[4]  ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج3، ص129.

[5]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج50، ص211.

[6]     3  الفصول المهمة في معرفة الأئمة احمد المالكي (ابن الصباغ):ج2،ص1065.