أدعيته (عليه السلام)

اهتم أهل البيت (عليه السلام) في الدعاء اهتماماً بالغاً، ولم يُؤثَر عن أحد من خِيَارِ المسلمين من الأدعية مثل ما أُثِر عنهم(عليهم السلام)، وإِنَّها لَتُعَد من أروع الثروات الفكرية والأدبية في الإسلام، فقد حَوَت أصول الأخلاق، وقواعد السلوك والآداب، كما ألَمَّتَ بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة وغير ذلك.

وتمثّل أدعية الأئمة الطاهرين(عليهم السلام) جوهر الإخلاص والطاعة والمعرفة لله عز وجل، فقد اتّصلوا بالله تعالى، وانطبع حبّه في مشاعرهم وعواطفهم، فهاموا بمناجاته والدعاء له.

وللإمام الهادي(عليه السلام) أنواع من الأدعية والابتهالات التي تدلّ على مدى اتّصاله بالله سبحانه، ومدى تعلّقه به، وانقطاعه إليه، وإليك بعض نماذجها:

1ـ دعاؤه (عليه السلام) عند الشدائد:

كان(عليه السلام)  يدعو به إذا ألمّت به حادثة، أو حلّ به خطب، أو أراد قضاء حاجة مهمّة، وكان قبل أن يدعو به يصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمّ يغتسل في أوّل يوم الجمعة، ويتصدّق على مسكين، ويصلّي أربع ركعات، فيقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة ياسين، وفي الثانية سورة الحمد وحم الدخان، وفي الثالثة سورة الحمد مع سورة الواقعة، وفي الرابعة سورة الحمد وسورة تبارك، وإذا فرغ منها بسط راحتيه إلى السماء، ودعا بإخلاص قائلاً بعد البسملة:

(اللهم لك الحمد حمداً يكون أحق الحمد بك، وأرضى الحمد لك، وأوجب الحمد لك، وأحب الحمد إليك، ولك الحمد كما أنت أهله، وكما رضيته لنفسك، وكما حمدك من رضيت حمده من جميع خلقك، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك، وكما ينبغي لعزّك وكبريائك وعظمتك، ولك الحمد حمداً تكلّ الألسن عن صفته، ويقف القول عن منتهاه، ولك الحمد حمداً لا يقصر عن رضاك ولا يفضله شيء من محامدك.

اللهم ومن جودك وكرمك أنّك لا تخيّب من طلب إليك وسألك ورغب فيما عندك، وتُبغض من لم يسألك، وليس كذلك أحدٌ غيرُك، وطمعي يا ربّ في رحمتك ومغفرتك، وثقتي بإحسانك وفضلك حداني على دعائك والرغبة إليك، وأنزل حاجتي بك، وقد قدّمت أمام مسألتي التوجّه بنبيّك الذي جاء بالحق والصدق فيما عندك، ونورك وصراطك المستقيم الذي هديت به العباد، وأحييت بنوره البلاد، وخصصته بالكرامة، وأكرمته بالشهادة، وبعثته على حين فترة من الرسل.

اللهم دللت عبادك على نفسك فقلت تباركت وتعاليت: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[1]، وقلت: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَهِ إِنَّ اللَهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[2]، وقلت:  (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)[3].

أجل يا رب نِعمَ المدعوُ أنت، ونِعمَ الربُّ أنت ونِعمَ المجيبُ، وقلت:
(قُلْ ادْعُوا اللَهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[4]، وأنا أدعوك اللهم بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت، وإذا سُئلت بها أعطيت، وأدعوك متضرّعاً إليك مستكيناً، دعاء من أسلمته الغفلة، وأجهدته الحاجة، أدعوك دعاء من استكان، وأعترف بذنبه، ورجاك لعظيم مغفرتك، وجزيل مثوبتك)[5] .

2ـ دعاء الاعتصام:

قال (عليه السلام): (يا عدّتي عند العدد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسند، ويا واحد يا أحد، يا قل هو الله أحد، أسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد، أن تصلّي عليهم وتفعل بي...)، ثمّ تذكر حاجتك[6] .

3ـ دعاء المظلوم على الظالم:

قال(عليه السلام): (اللّهم إنّي وفلاناً عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيتنا، وتطلع على نيّاتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا.

ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مغالب بمنعة، ولا يعازّك متعزّز بكثرة أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم منّا بك، وتوكّل المقهور منّا عليك، ورجوعه إليك، ويستغيث بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.

اللّهم إنّه قد كان في سابق علمك، ومحكم قضائك، وجاري قدرك، وماضي حكمك، ونافذ مشيّتك في خلقك أجمعين، سعيدهم وشقيّهم وبرّهم وفاجرهم أن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرة فظلمني بها، وبغى عليّ لمكانها، وتعزّز عليّ بسلطانه الذي خوّلته إيّاه، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله التي جعلتها له، وغرّه إملاؤك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، وتعمّدني بشرّ ضعفت عن احتماله، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي، والانتصاف منه لذلّي، فوكلته إليك وتوكّلت في أمره عليك، وتوعدته بعقوبتك، وحذّرته سطوتك، وخوّفته نقمتك، فظنّ أن حلمك عنه من ضعف، وحسب أنّ إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أخرى، ولا انزجر عن ثانية بأولى، ولكنّه تمادى في غيّه، وتتابع في ظلمه، ولجّ في عدوانه، واستشرى في طغيانه جرأة عليك يا سيّدي، وتعرّضاً لسخطك الذي تردّه عن القوم الظالمين، وقلّة اكتراث ببأسك الذي تحبسه عن الباغين.

فها أنا ذا يا سيّدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذلّ بعنائه، مغلوب مبغيّ عليّ مغضوب وجل خائف مروّع مقهور، قد قلّ صبري وضاقت حيلتي، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك، وانسدّت عليّ الجهات إلاّ جهتك، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عنّي، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه، وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً، واستشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلاّ عليك، فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً، عالماً أنّه فرج إلاّ عندك، ولا خلاص لي إلاّ بك، انتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي، فإنّك قلت وقولك الحق الذي يردّ ولا يبدل: (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ) وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك، وكيف أمنّ به وأنت عليه دللتني، فصلّ على محمّد وآل محمّد، واستجب لي كما وعدتني يا من يخلف الميعاد.

وإنّي لأعلم يا سيّدي أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنّك يسبقك معاند، ولا يخرج عن قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي يبلغان بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك، فقدرتك عليّ يا سيّدي ومولاي فوق كلّ قدرة، وسلطانك غالب على كل سلطان، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته، وقد أضرّني يا ربّ حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له وإمهالك إيّاه، وكاد القنوط يستولي عليّ لولا الثقة بك، واليقين بوعدك.

فإن كان في قضائك النافذ، وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي، وينتقل عن عظيم ما ركب منّي، فصلّ اللّهم على محمّد وآل محمّد، وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل إزالته نعمتك التي أنعمت بها عليّ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي.

وإن كان في علمك به غير ذلك، من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغى عليه إجابة دعوتي، فصل على محمّد وآل محمّد، وخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، وأفجئه في غفلته، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وأفض عنه جموعه وأعوانه، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، وفرّق أنصاره كلّ مفرّق، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يا مبير الأمم الظالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابتر عمره، وابتزّ ملكه، وعفّ أثره، واقطع خبره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكوّر شمسه، وأزهق نفسه، وأهشم شدّته، وجبّ سنامه، وأرغم أنفه، وعجّل حتفه، ولا تدع له جُنّة إلاّ هتكتها، ولا دعامة إلاّ قصمتها، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرّقتها، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها، ولا ركناً إلاّ وهنته، ولا سبباً إلاّ قطعته.

وأرنا أنصاره وجنده وأحبّائه وأرحامه عباديد بعد الألفة، وشتّى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمّة، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة، والأفئدة اللهفة، والأمّة المتحيّرة، والبرية الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطّلة، والأحكام المهملة، والسنن الداثرة، والمعالم المغيّرة، والمساجد المهدومة.

وأرح به الأقدام المتعبة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرو به اللهوات اللاغبة، والأكباد الظامئة، واطرقه بليلة أخت لها، وساعةٍ شفاء منها، وبنكبة انتعاش معها، وبعثرةٍ إقالة منها، وأبح حريمه، ونغّص نعيمه، وأره بطشتك الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه، واغلبه لي بقوّتك القوية، ومحالك الشديد، وامنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، وابتله بفقرٍ تجبره، وبسوء تستره، وكِله إلى نفسه فيما يريد، إنّك فعّال لما تريد.

وابرأه من حولك وقوّتك، وأحوجه إلى حوله وقوّته، وأذلّ مكره بمكرك، وادفع مشيّته بمشيّتك، واسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأزل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكّه من حزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعافيته إلى شر مآل، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه، وأبقه لحزنه إن أبقيته، وقني شرّه وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، والمحه لمحة تدمّر بها عليه، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، والحمد لله ربّ العالمين)[7] .

 


[1] سورة البقرة: آية 186.

[2] سورة الزمر: آية 53.

[3] سورة الصافات: آية 75.

[4] سورة الإسراء: آية110 .

[5] مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: ص343.

[6] الأمالي للشيخ الطوسي: ص286.

[7]  مهج الدعوات ومنهج العبادات للسيد ابن طاووس: ص266.