إنّ الإقبال على الله والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيت(عليهم السلام)، وكان الإمام الهادي(عليه السلام) يسير على نهج آبائه المعصومين(عليهم السلام) في التوجّه إلى الله تعالى والانقطاع إليه، فقد كان يُحيي الأيام بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن، والليالي بالمناجاة والتهجد رغم شدة الظروف المحيطة به.
قال القطب الراوندي: وأما علي بن محمد الهادي(عليه السلام) فقد اجتمعت فيه خصال الإمامة، وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيرة، وكانت أخلاقه كلها خارقة للعادة كأخلاق آبائه(عليهم السلام)، وكان بالليل مقبلاً على القبلة لا يفتر ساعة، وعليه جبة صوف وسجادته على حصير[1].
وقيل للمتوكِّل: إن في منزله أسلحة، يطلب الخلافة، فوجّه إليه رجالاً هجموا عليه فدخلوا داره فوجدوه في بيته، وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه الشريف ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، وهو يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فحملوه إليه على ألبسته المذكورة فلما رآه عظّمه وأجلسه إلى جنبه، فكلمه فبكى المتوكل بكاء طويلاً، ثم قال: يا أبا الحسن عليك دَيْن؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر المتوكل بدفعها إليه، ثم رده إلى منزله مكرماً[2] .
وكان (عليه السلام) يقول في تسبيحه: (سبحان من هو دائم لا يسهو، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو غني لا يفتقر، سبحان الله وبحمده)[3].
وكان (عليه السلام) يستجير بالحائر الحسيني اذا ألمّ به مرض أو تعرض لشدة ويبعث أحد مواليه ليدعو له، وحين سُئل عن ذلك قال (عليه السلام): (كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أفضل من البيت والحجر، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر، وإن لله بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها)[4] .
وعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَاقَانَ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ (عليه السلام) سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَافْتَرَشَ ذِرَاعَيْه فَأَلْصَقَ جُؤْجُؤَه وبَطْنَه بِالأَرْضِ فَسَأَلْتُه عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (عليه السلام): (كَذَا نُحِبُّ)[5]، أي: نحب أن نكون متذللين خاشعين لله تعالى، ومظهرين له الخضوع والذِّلة.