لمّا خرج ـ الإمام الجواد(عليه السلام) ـ (من المدينة في المرة الاَخيرة، قال: ما أطيبك يا طيبة! فلست بعائد إليك)[1].
وينتهي به المسير إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية، مقرّه ومثواه الأخير الأبدي، ويدخلها لليلتين بقيتا من المحرم من سنة (220هـ). وما أن وصل إليها وحطّ فيها رحاله حتى أخذ المعتصم يدبّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام(عليه السلام) بشكل سرّي، ولذلك فقد شكّل مثلثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء.
وسرعان ما يلتحق الإمام(عليه السلام) إلى بارئه فينال هناك كأسه الأوفى، وهو لم يخسر الدنيا، لأنّه لم يكن يملك منها شيئاً، ولا رجا وأمّل يوماً من حطامها شيئاً، لكنّ الأمّة خسرته ابناً من أبناء الرسالة، وعلماً من أعلام النبوّة، وطوداً شامخاً كان يفيض على هذا الوجود كلّ أسباب العلم والمعرفة، والتقى والصلاح، ولو قدروه حقّ قدره، لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم، ولوجدوا به خيراً كثيراً
وأطفأوا نور الإمام، وحرموا أنفسهم والأمّة من بركاته، وما أطفأوا إلاّ نوراً من أنوار النبوّة، لو كانوا رعوه حق رعايته لسُقوا ماءً غدقاً، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنّ:
عجبتُ لقوم أضلّوا السبيـل * ولـم يبتغـوا اتّبـاع الهـدى
فما عرفوا الحق حين استنار * ولا أبصـروا الفجـر لمّا بدا
كيفية الوفاة:
على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام أبي جعفر الجواد(عليه السلام)،
فإنّ أغلبها يجمع على أن الإمام اغتيل مسموماً وأنّ مثلث الاغتيال قد تمثّل في زوجته أم الفضل زينب بنت المأمون، وهي المباشر الأول التي قدّمت للاِمام عنباً مسموماً، ثم في أخيها جعفر، يدبّرهم ويساعدهم على هذا الاَمر المعتصم بن هارون.
فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي فقال: (فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله، فقال جعفر لاُخته أم الفضل ـ وكانت لأمّه وأبيه ـ
في ذلك، لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أُم أبي الحسن(عليه السلام)
ابنه عليها، مع شدّة محبتها له، ولأنّها لم ترزق منه ولد، فأجابت أخاها جعفراً)[2].
وروي أن ابنه علي الهادي(عليه السلام) قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه، فغسّله وحنّطه وأدرجه في أكفانه وصلّى عليه في جماعة من شيعته ومواليه[3].
والحمدُ لله ربِّ العالمين
وسلامٌ علىٰ عبـاده الذيـن اصطفىٰ
محمـد وآله الطاهرين
تمّ بحمد الله