وبقي الإمام الجواد(عليه السلام) في المدينة المنورة بعد عهد إمامته زهاء ثمانية أعوام، يحترمه الخاص والعام ويأوي إليه البعيد والقريب، يسألونه عما أغمض وأشكل عليهم فيحل ذلك لهم في أسرع وقت.
يقول بعض الرواة: لما مات أبو الحسن الرضا(عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر وقد حضر من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر(عليه السلام) فدخل عمه عبد الله بن موسى وكان شيخاً كبيراً نبيلاً، عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة.
فجلس وخرج أبو جعفر(عليه السلام) من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل خوص بيضاء، فقام عبد الله ـ عمه ـ واستقبله وقبَّل بين عينيه وقامت الشيعة، وقعد أبو جعفر(عليه السلام) على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيراً لصغر سنه.
فانتدب رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة. فقال: تقطع يمينه ويقام عليه الحد.
فغضب أبو جعفر(عليه السلام) وقال: يا عم إتق الله إنه لعظيم أن أفتيت يوم القيامة بين يدي الله عز وجل لما أفنيت الناس بما لا تعلم، فقال له عمه: يا سيدي أليس قال هذا أبوك(عليه السلام)؟
فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنما سُئِل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا، فإن حرمة الميِّتة كحرمة الحية فقال: صدقت يا سيدي أنا أستغفر الله[1].