نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد

كان عليّ بن جعفر قد ناهز الثمانين عاماً، وهو عمّ أبيه ـ أي عمّ الرضا ـ قد عرف منزلة أبي جعفر، وأدرك أنّ الإمامة ليست بالسِنّ والشيخوخة وغيرها... إنّما هو أمر إلهى... سرّ إلهى.. مكنون من مكنونات الغيب، لا يحلّ غوامضه إلّا التسليم لأمره تعالى.. وهكذا فعل علي بن جعفر... فقد أصاب هذا الشيخ في فعله لأبي جعفر وفي تسليمه لأمر الله... كان عليّ بن جعفر نموذجاً رائعاً من نماذج الطاعة والتسليم لأمر لا يعرف منه إلّا أنّه «أمر الله»...

 روى محمد بن الحسن بن عمّار قال: كنت عند علي بن جعفر الصادق جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن موسى الكاظم(عليه السلام) ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا(عليه السلام) في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوثب علي بن جعفر رحمه الله بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): «يا عمّ، أجلس رحمك الله»، فقال: يا سيدي، كيف أجلس وأنت قائم؟.

 فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال: اسكتوا، إذا كان الله عزّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهِّل هذه الشيبة، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أٌنكر فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد[1].

 هكذا كان عليّ عمّ أبيه... الشيخ المحدِّث.. الفقيه... شيخ الهاشميّين سنّاً.. لازم جعفر الإمام والده.. وموسى الإمام أخاه.. وعليّ الإمام ابن أخيه... روى عنهم وسمع أحاديثهم.. وتفقّه بفقههم حتى صار عليّ الفقيه والمحدِّث ونقيب العلويّين في وقته.. هو اليوم يخضع لإمامة ابن أخيه الصبيّ السُباعيّ... ولا يرى شيخ الهاشميين ونقيبهم ضيراً أن يتصاغر للإمام أبي جعفر، وأن يعظِّم مقامه، ويراعي حقّه... فقد تربّى في كنف ثلاثة أئمّة... فعليه اليوم أن يظهر ما تأدّب عليه من التسليم والطاعة والاتّباع لإمام وقته.. خليفة أبيه.. بل خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله).. وكان الناس يوبّخون الشيخ على توقيره لهذا الصبيّ السُباعيّ.. إنّهم لا يدركون إلّا أنّه الصبي «محمد».. وعلي لا يدرك عن محمدٍ إلاّ أ نّه الإمام... الحجة.. خليفة أبيه... بل خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

كان يحيى بن أكثم قاضي القضاة في عهد المأمون، وينقل عنه أنه قال: فبينا أطوف بقبر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، رأيت محمد بن علي الرضا(عليه السلام) يطوف به، فناظرته في مسائل عندي، فاخرجها إلي، فقلت له والله إني أريد أن أسألك مسألة واحدة، وإني والله لأستحي من ذلك، فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام، فقلت هو والله هذا، فقال: إذاً هو، فقلت: علامة، فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إنه مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة[2].

 


[1] الكافي للشيخ الكليني:ج1،ص322.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج 1، ص353.