في عقيدتنا: أن الإمام الذي يختاره الله لكي يكون قدوة صالحة للخير والصلاح يلزم أن يكون كاملاً من جميع الوجوه، وأيما نقص أو عيب في الفكر أو في الجسم عند الإنسان يبين أنه ليس إماماً.
فإنَّ الإمامة كالنبوة، موهِبَة إلهيَّة يَمنحُها الله سبحانه لِمَنْ هو أهلٌ لها من عِبَاده المُصْطَفين، ولا دَخلَ للعُمْر في ذلك.
ولعلَّ من يستبعد نبوَّة وإمامة الطفل الصغير، أو يتصوَّرها غير ممكنة، فإنه قد خلط بين الأمور الإلهيَّة والشؤون العاديَّة، وتصوَّرَها بشكل واحد. بينما الواقع ليس كذلك، فالإمامة والنبوَّة مرتبطة كل منهما بإرادة الله عزَّ وجلَّ، وهو يمنحها للعباد الذين يعلم ـ بعلمِهِ اللاَّمحدود ـ أهليَّتهم لِهَذَا المَقَام الرفيع، فقال الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)[1].
وقال تعالى: (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ! قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً)[2].
وبناءً على ذلك لا مانِعَ من أن يعطي الله سبحانه جَميعَ العلوم لطفلٍ صغير، مثل النبي يَحيَى أو النبي عيسى(عليهما السلام) كما في النبوَّة.
أو لصبيٍّ في الثامنة أو التاسعة من عمره، كما في إمامة الإمام الجواد(عليه السلام).
تولَّى الإمام الجواد(عليه السلام) الإمامة، بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا(عليه السلام)، وبالطبع كان استلامه للإمامة بِتَصريح ونص الأئمة السابقين من أهل البيت(عليهم السلام)،
وبتعيين مُسبَقٍ من قِبَل أبيه(عليه السلام).
وبسبب صِغَر سِنِّ الإمام الجواد(عليه السلام) تعرَّض للاختبار والامتحان من قبل الأعداء والجُهَّال، إلاَّ أنَّ تجلِّي العلوم الإلهية على يده(عليه السلام) كان باهراً ورائعاً، مِمَّا جعل أعداؤه يُذعِنون ويقرُّون له بالعلم.
ومن نافلة القول أن معرفة منصب الإمامة نص إلهي، أبلغه تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) يوم نصّ على خلافة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه(عليه السلام) له(صلى الله عليه وآله) في منصب إمامة المسلمين ثم كانت للرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله) مواقف وكلمات ـ في روايات وردتنا ـ صرّح في بعضها بأسماء الاَئمة خلفائه واحداً واحداً حتى اثني عشر إماماً، كما أن الأئمة عليهم السلام ـ باعتبار عصمتهم ـ نصوا على من يليهم بهذا المنصب، ولم يكن الأمر باختيارهم. عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول:
قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي ابن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم اسمه اسمي، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي»[3].
فتعيين الامام(عليه السلام) من قبل الله عز وجل: قَالَ تعالى: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[4].
ويستفاد من هذا النص القرآني ما يلي:
1- الإِمامة ميثاق إلهي، وطبيعي أن يكون التعيين من قبل الله تعالى، لأنه طرف هذا الميثاق.
2- الأفراد الذين تلبّسوا بعنوان الظلم، ومارسوا في حياتهم لحظة ظلم بحقّ أنفسهم أو بحقّ الآخرين، كأن تكون لحظة شرك مثلا، لا يليقون للإمامة، فالإِمام يجب أن يكون طيلة عمره معصوماً. وهل يعلم ذلك في نفوس الأفراد إلاّ الله؟! ولو أردنا بهذا المعيار أن نعيّن خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) والإمام من بعده فلا يمكن أن يكون غير علي والأئمة(عليهم السلام) فيتبين أنّ مقام الإمامة والقيادة من الأحكام الإلهيّة وأنّ الله تعالى هو الذي يشخّص اللاّئق لها، فلو رأى اللّياقة الكافية في أولاد الرّسول(صلى الله عليه وآله) لجعل الإمامة عندهم، ولو توفّرت عند أشخاص آخرين لجعلها فيهم، وهذا هو ما يعتقد به علماء الشيعة ويدافعون عنه، وسوف نتحدث في عنوان مستقل حول امامة الامام الجواد(عليه السلام) وهو صبي في طيات هذا البحث.