الأصل الكريم

ليس في دنيا الأنساب نسب أسمى، ولا أرفع من نسب الإمام أبي جعفر(عليه السلام) فهو من صميم الأسرة النبوية التي هي من أجلّ الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها، تلك الأسرة التي أمدّت العالم بعناصر الفضيلة والكمال، وأضاءت جوانب الحياة بالعلم والإيمان.. أما الأصول الكريمة، والأرحام المطهرة التي تفرع منها فهي:

1- والده: الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام). وهذه هي السلسلة الذهبية التي لو قرأت على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عز وجل - كما يقول المأمون العباسي[1].

ويقول أحمد بن حنبل: (لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جُنّته)[2].

ولقد كان والده الإمام الرضا (عليه السلام) عبقرياً ملأ فضله وعلمه آفاق العالم الإسلامي، فلهج بمدحه مخالفوه، كما هلل به شيعته وموالوه سواءً بسواء، فكان الرضا الذي ارتضى به الخالق إماماً وحجه، وللخلق سيداً وقدوةً.

2- أمّه: السيدة سبيكة النوبية التي وفدت إلى المدينة مع من وفد من أهل إفريقيا، فالتحقت بآل الرسول وأنجبت سيدهم الإمام الجواد(عليه السلام) 

أسماؤها: (درة) و(خيزران) و(ريحانة). وقيل: (سكينة).

كنيتها: (أم الحسن).

وذكر الشيخ الكليني: أنّ اُمّ الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) هي اُمّ ولد يقال لها: سبيكة نوبية. وروى: أنها(عليها السلام) كانت من أهل بيت مارية القبطية اُمّ إبراهيم ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) [3].

من فضائلها:

كانت السيدة سبيكة(عليها السلام) من أفضل نساء زمانها، وقد أشار إليها النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) بقوله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة»[4].

3- ميلاده: لقد كان الإمام الرضا(عليه السلام) قد بلغ الخامسة والخمسين ولم يرزق ولداً، فذهبت بعض الإشاعات تنشر من قبل دعاة الواقفية الذين قالوا بغيبة الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)، وأنه لم يوص إلى أي إمام من بعده، قائلين بأن الإمام الرضا عقيم ليس له ولد وهو عيب واضح في القدوة الدينية. فإذاً لا يكون هو الإمام الحق حسب زعمهم، حتى كتب بعضهم إليه(عليه السلام) رسالة قال فيها:

كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه الرضا(عليه السلام): «وما علمك أنه لا يكون لي ولد والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً  يفرق بين الحق والباطل»[5]

وجاء إليه رجل من أصحابه يقول: من الإمام بعدك؟ فقال: أبني، ثم قال: هل يجترئ أحد أن يقول ابني وليس له ولد؟، فيحدث الراوي أنه لم تمض الأيام حتى ولد أبو جعفر الجواد[6].

ودخل عليه ابن قيام الواسطي وكان من الواقفية الذين لم يكونوا يعترفون بالإمام الرضا(عليه السلام)، فأراد أن يعيب عليه فقال: أيكون إمامان؟ قال: لا، إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً، فقال الرجل: هو ذا أنت ليس لك صامت، فقال: «بلى والله ليجعلن الله لي من يُثَبَّت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله، ولم يكن له في ذلك الوقت ولد، فولد له أبو جعفر بعد سنة»[7].

 كان الشيعة المخلصون يعيشون أشد الانتظار لمقدم ولد الإمام الرضا(عليه السلام)،
ذلك الذي زخرت أحاديثهم تنبئ عن مقدمه المبارك، وهم الراوون عن الرسول(صلى الله عليه وآله)
انه قال: بأبي أبن خيرة الإماء النوبية، وهو يشير إلى الإمام(عليه السلام)، ليدحضوا حجة الواقفية الذين قد أكثروا من الدعايات ضده.

وكانت تلك الليلة المباركة  حينما بزغ من أفق الحق بدر أضحى شمساً للهدى، وسماءً في جلاله، ألا وهو الإمام الجواد(عليه السلام).

وتناقل الرواة الحديث على لسان والده العظيم يقول: «هذا هو المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه»[8]

 


[1] عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج 2 ص 147.

[2] الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني: ص 207.

[3] الكافي للشيخ الكليني: ج1 ص492.

[4]  كشف الغمّة للإربلي: ج2 ص351.

[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 50، ص 22.

[6] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج 50، ص 22.

[7] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج 50، ص 22.

[8] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج 50، ص20.