مراسيم الغسل والدفن والصلاة على الإمام (عليه السلام)

قال أبو جعفر- الإمام الجواد -(عليه السلام): (قم يا أبا الصلت ائتني بالمغتسل والماء من الخزانة)، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال لي: ائته إلي ما آمرك به. فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمّرت ثيابي لأُغسِّله فقال لي: (تنحَ يا أبا الصلت، فإن لي من يعينني غيرك في غسله)،  ثم قال لي: (ادخل الخزانة فاخرج إلى السفط الذي فيه كفنه وحنوطه)، فدخلت، فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه، فكفّنه وصلى عليه ثم قال لي: (ائتني بالتابوت) فقلت: امضي إلى النجار حتى يصلح التابوت قال: (قم فإن في الخزانة تابوتا ) فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به فأخذ الرضا(عليه السلام) بعدما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت وانشق السقف فخرج منه التابوت ومضى، فقلت: يا بن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا (عليه السلام)، فما نصنع؟ فقال لي: (أسكت فإنه سيعود  يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما) وما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام (عليه السلام) فاستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن ثم قال لي: (يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون)  ففتحت الباب، فإذا المأمون والغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثم دخل فجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر، فحفرت الموضع فظهر كل شيء على ما وصفه الرضا (عليه السلام)، فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم إنه إمام؟ فقال: بلى لا يكون الإمام إلا مقدم الناس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت له: أمرني أن يحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد فلما رأى ما ظهر له من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا، فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك به الرضا (عليه السلام)؟ قال: لا، قال: إنه قد أخبرك إن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم، قال له: صدقت، ثم قال لي: يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به، قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي ودفن الرضا(عليه السلام) فحبست سنة فضاق علي الحبس وسهرت الليلة ودعوت الله تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم وسألت الله بحقهم أن يفرج عني، فما استتم دعائي حتى دخل علي أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) فقال لي: يا أبا الصلت ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله، قال: قم فأخرج ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار، ثم قال لي إمضِ في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا، فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت )[1].

 


[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام)  للشيخ الصدوق: ج2، ص274.