الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) ينحدر عن سلالة طاهرة تتّصل بالنبوّة والإمامة الإلهيّة وتمتّد متشعّبةً في بيوت الأوصياء والأولياء، ومَن كانوا مِن قبلُ على دين الحنيفيّة وملّةِ إبراهيم خليلِ الرحمن (عليه السلام).
الأب:
أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظم سلامُ الله عليه.. الذي لم يطق أعداؤه صبراً على مدحه، فذاك قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلْقه، وخليفته على عباده... موسى بن جعفر إمام حق.... والله يا بُنيّ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) منّي ومن الخلق جميعاً، ...) [1].
الأجداد:
وإذا أردنا أن نتعرّف على الآباء، فهُمُ: الأئمّة الطاهرون، والحجج الأوصياء المعصومون، ولاة أمر الله، وخزنة علمه، وخلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نور الله وأركان الأرض، والعلامات والآيات، وهم الراسخون في العلم والمتوسّمون، ومن وردت الأحاديث الشريفة الوافرة من طرق المسلمين جميعاً بالنصّ على إمامتهم على لسان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأمرٍ من الله « جَلّ وعلا »..
من ذلك: عن ابن عباس قدم يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) إني أسألك عن أشياء ....إلى أن قال فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، فقال (صلى الله عليه وآله): (نعم، إن وصيي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين )، قال يا محمد (صلى الله عليه وآله) فسمهم، قال (صلى الله عليه وآله): ( إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر)[2].
الأمّ:
أمّا أُمّه (عليه السلام) فقد وردت لها عدّة أسماء، سابقة على اقترانها بالإمام الكاظم (عليه السلام)، ولاحقة.
قيل: اسمها (سَكَن النُّوبيّة) أو (سكنى)، وقيل: لقبها شقراء النُّوبيّة، وقيل: اسمها (أروى)، وقيل: اسمها (سُمان)، وقيل: (الخيزران المُرْسيّة)، وقيل: (نجمة) لمّا كانت بِكْراً واشترتها (حميدة المصفّاة) أمّ الإمام الكاظم (عليه السلام)، إذ ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لها: يا حميدة، هَبي نجمةَ لابنك موسى، فإنّه سيُولَد لها خيرُ أهل الأرض، فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا (عليه السلام) سمّاها (الطاهرة)[3].
وأخيراً: (تكْتُم)، قيل: هو آخر أسمائها، وعليه استقرّ اسمها حين صارت عند أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام)، ومن ذلك قول الصوليّ يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السّلام:
ألاَ إنّ خـيـرَ النـاسِ نـفْساً ووالداً ورهطاً وأجـداداً علـيُّ المعظَّمُ
أتـتـنا به للعــلـمِ والحِلْـمِ ثـامنــاً إماماً ـ يؤدّي حجّةَ اللهِ ـ تكْتَمُ[4] وأمّا كُنيتها فـ: (أُمّ البنين).
قصّتها (رضي الله عنها):
روي في شأن اقتران هذه المرأة الطاهرة الصالحة بالإمام(عليه السلام) قصّتان:
الأولى ـ أنّ حميدة المصفّاة ـ وهي زوجة الإمام الصادق (عليه السلام)، وأُمّ الإمام الكاظم (عليه السلام)، وكانت من أشراف العجم ـ قالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بُنيّ إنّ تَكْتُم جارية ما رأيتُ قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتُها لك، فاستوصِ بها خيرا )[5] .
الثانية ـ وهي الأشهر والأوثق، يرويها هشام بن أحمد فيقول: قال لي أبو الحسن الأوّل - أي الكاظم- (عليه السلام): (هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم؟ قلت: لا، قال(عليه السلام): بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلِقْ بنا، فركب وركبت معه، حتّى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: إعرضْ علينا، فعرض علينا سبع جوارٍ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن (عليه السلام): لا حاجة لي فيها، ثمّ قال: اعرضْ علينا، فقال: ما عندي إلاّ جارية مريضة، فقال: ما عليك أن تَعرضها؟! فأبى عليه، فانصرف، ثمّ أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها؟ فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له: قد أخذتُها، فأتيته فقال: ما كنت أُريد أن أُنقصها من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها، قال: هي لك، ولكن أخبِرْني: مَن الرجل الذي كان معك بالأمس؟ قلت: رجل من بني هاشم، قال: من أيّ بني هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أُخبرك أنّي لمّا اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتْني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مِثْلك! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده قليلاً حتّى تلد غلاماً له لم يُولد بشرق الأرض ولا غربها مثلُه، قال هشام ابن أحمد: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتّى ولدت له الرضا (عليه السلام) )[6].
وكان من دلائل إمامة موسى الكاظم (عليه السلام) أنّه لمّا اشترى (تَكْتُم) جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال لهم: (واللهِ ما اشتريتُ هذه الأمَة إلاّ بأمر الله ووحيه )، فسُئل عن ذلك، فقال (عليه السلام): (بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شِقّة حرير، فنَشَراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكوننَّ من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك، ثمّ أمرني إذا ولدتُه أن أسميّه (عليّاً)، وقالا لي: إنّ الله تعالى يُظهِر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويلٌ لمَن عاداه وجحده وعانده)[7].
خصالها (رضي الله عنها):
أجمع أصحاب السيرة أن (تَكْتُم) (رضي الله عنها) امرأة صالحة عابدة، تتحلّى بأسمى مكارم الأخلاق، وكانت في غاية العفّة والأدب، وقد ذكرها الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ بقوله: (وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامِها لمولاتها حميدة، حتّى أنّها ما جلست بين يديها منذ مَلَكتْها؛ إجلالاً لها)[8].
ولابدّ أن تكون هكذا أُمّهات الأئمّة (عليهم السلام)، لأنّ الأئمّة هم أشرف الخَلْق، ينحدرون من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة، آباؤهم وأُمّهاتهم من الموحِّدين، لم تدنّسهمُ الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبِسْهم من مُدْلَهِمّات ثيابها.
كنيته (عليه السلام):
أبو الحسن الثاني؛ إذ اشتهر أبوه الإمام الكاظم (عليه السلام) بأبي الحسن .
ألقابه:
الرضا، والصابر، والرضي، والوفي، وبعد وفاته صار لقبه: الماضي، وأشهرها: الرضا.
وكان يقال له: الصادق، والفاضل، وقرة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين، فعن عبد العظيم الحسني، عن سليمان بن حفص قال: كان موسى بن جعفر (عليهما السلام) يسمي ولده علياً (عليه السلام) الرضا، وكان يقول(عليه السلام): (ادعوا لي ولدي: الرضا، وقلت لولدي: الرضا، وقال لي ولدي: الرضا(عليه السلام)، وإذا خاطبه قال: يا أبا الحسن)،
وهو لقب أطلقه عليه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما علمه الله تعالى، فعن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده؟
فقال (عليه السلام): (كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه بالرضا (عليه السلام)، لأنه كان رضي لله عز وجل في سمائه ورضي لرسوله والأئمة بعده صلوات الله عليهم في أرضه.
قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين عليهم السلام رضي لله عز وجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده عليهم السلام؟ فقال: بلى.
فقلت: فلم سمي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟
قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السلام، فلذلك سمي من بينهم
الرضا (عليه السلام))[9].
[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق:ج1، ص85.
[2] أوائل المقالات للشيخ المفيد:ص284.
[3] عيون أخبار الرضا - ع - للشيخ الصدوق:ج1،ص16.
[4] عيون أخبار الرضا - ع - للشيخ الصدوق: ج1،15.
[5] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج1، ص14.
[6] الكافي، للشيخ الكليني: ج1،ص486.
[7] إثبات الوصيّة، للمسعوديّ ص196.
[8] ينابيع المودة للقندوزي الحنفي:ج3،ص166.
[9] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق:ج1،ص22.