أدعيته (عليه السلام)

تميّز أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بمحاسن كثيرة، لم يشاركهم فيها غيرهم من الناس، وامتازوا بمكارم اختصّوا بها وحدهم من بين الأمّة، والدعاء أحد هذه المميّزات الكثيرة، فهي تمثل مدى الارتباط بالله تعالى، وعمق العلاقة بين العبد وخالقه، وهي بعد ذلك تدلّك على شدة الحب له تعالى فيخلو به ويناجيه ويدعوه دعاء الواله، فقد ورد لكل إمام منهم(عليهم السلام) أدعية كثيرة، جمعها علماؤنا الأبرار«، فبلغت عشرات الصفحات، فهم أوّل من أرشدوا الناس على الطريقة المثلى، التي يجب أن يسلكها العبد في خطابه مع الله سبحانه وتعالى، وما ينبغي أن يكون عليه من التوسّل والانقطاع للمولى جلّ شأنه، فكانت أدعيتهم مدارس تعلِّم أتباعهم التوحيد الصحيح، وباقي العقائد الحقة، وكذلك مكارم الأخلاق، ومرضي الصفات، وأدب الدعاء، ومناجاة الله، وسائر ما يحتاج إليه العبد لتوطيد علاقته بربه.

والإمام الكاظم(عليه السلام) انقطع إلى الله تعالى، فكان في جميع أوقاته يلهج بذكر الله تعالى، ويدعوه دعاء المنيبين، ومن أدعيته(عليه السلام):

1ـ دعاؤه(عليه السلام) في القنوت:

قال(عليه السلام): (يا مفزع الفازع، ويا مأمن الهالع، ومطمع الطامع، وملجأ الضارع، يا غوث اللهفان، ومأوى الحيوان، ومروي الظمآن، ومشبع الجوعان، وكاسي العريان، وحاضر كل مكان، بلا درك ولا عيان، ولا صفة ولا بطان، عجزت الأفهام، وضلّت الأوهام عن موافقة صفة دابة من الهوام، فضلاً عن الأجرام العظام، ممّا أنشأت حجاباً لعظمتك، وأنّى يتغلغل إلى ما وراء ذلك بما لا يرام، تقدّست يا قدّوس عن الظنون والحدوس، وأنت الملك القدوس، بارئ الأجسام والنفوس، ومنخر العظام، ومميت الأنام، ومعيدها بعد الفناء والتطميس.

أسألك يا ذا القدرة والعلاء، والعز والثناء، أن تصلّي على محمّد وآله أولي النهى، والمحل الأوفى، والمقام الأعلى، وأن تعجّل ما قد تأجّل، وتقدّم ما تأخّر، وتأتي بما قد أوجبت إثباته، وتقرّب ما قد تأخّر في النفوس الحصرة أوانه، وتكشف البأس وسوء البأس، وعوارض الوسواس الخنّاس في صدور الناس، وتكفينا ما قد رهقنا، وتصرف عنّا ما قد ركبنا، وتبادر اصطلام الظالمين، ونصر المؤمنين، والإدالة من المعاندين، آمين رب العالمين)[1].

2ـ دعاؤه(عليه السلام) لرد المظالم:

قال(عليه السلام): (اللّهم اردد على جميع خلقك مظالمهم التي قِبَلِي، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية، وما لم تبلغه قوّتي، ولم تسعه ذات يدي، ولم يقوَ عليه بدني ويقيني ونفسي، فأدّه عنّي من جزيل ما عندك من فضلك، ثمّ لا تخلف عليّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي، يا أرحم الراحمين، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله)[2].

3ـ دعاؤه(عليه السلام) لطلب الحاجة:

قال(عليه السلام): (يا سابق كل فوت، يا سامعاً لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية، ولا تشابه عليك اللغات المختلفة، ولا يشغلك شيء عن شيء، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع، وبصر نافذ، يا من لا تغلظه كثرة المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحّين، يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه وبقائه، يا من سكن العلى، واحتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره دجا الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هو من جميع أركانك، صلّ على محمّد وأهل بيته، ثمّ يسأل حاجته)[3].

4ـ دعاؤه(عليه السلام) لطلب العافية:

قال(عليه السلام): (توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، وتحصّنت بذي العزة والجبروت، واستعنت بذي الكبرياء والملكوت، مولاي استسلمت إليك فلا تسلّمني، وتوكّلت عليك فلا تخذلني، ولجأت إلى ظلّك البسيط فلا تطرحني، أنت المطلب، واليك المهرب، تعلم ما أخفي وما أعلن، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فامسك عنّي اللَّهمَّ أيدي الظالمين من الجنّ والإنس أجمعين، واشفني يا أرحم الراحمين)[4].

5ـ دعاؤه(عليه السلام) لطلب الرزق:

قال(عليه السلام): (يا الله يا الله يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك وأن تبسط علي ما حظرت من رزقك)[5].

6ـ دعاؤه(عليه السلام) في الاعتصام بالله:

قال(عليه السلام): (السر عندك علانية، والغيب عندك شهادة، تعلم وَهْمَ القلوب، ورجم الغيوب، ورجع الألسن، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنت رجاؤنا عند كل شدّة، وغياثنا عند كل محل، وسيّدنا في كل كريهة، وناصرنا عند كل ظلم، وقوّتنا عند كل ضعف، وبلاغنا في كل عجز، كم من كريهة وشدّة ضعفت فيها القوّة، وقلّت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق، وخذلنا فيها الشفيق، أنزلتها بك يا رب، ولم نرج غيرك، ففرّجتها وخففت ثقلها، وكشفت غمرتها، وكفيتنا إيّاها عمّن سواك)[6].

 


[1]  مهج الدعوات ومنهج العبادات للسيد ابن طاووس: ص54.

[2]  الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص555.

[3]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج48، ص30.

[4]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج91، ص376.

[5]  الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص553.

[6]  مهج الدعوات ومنهج العبادات للسيد ابن طاووس: ص238.