من أبرز خصائص أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) البر والإحسان إلى الناس كافّة، وبصورة خاصّة الطبقة الضعيفة، فكانوا يخصّونهم بجزيل فضلهم، ونبل عطاياهم، حتّى كان من منهجهم في الليالي المظلمة الطواف على بيوت الفقراء والمساكين بالأغذية والمال، وهم لا يعرفونهم.
قال ابن الصبّاغ المالكي: كان موسى الكاظم(عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، وأسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً، وكان يتفقّد فقراء المدينة، ويحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم والنفقات، ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته)[1].
وقال علي بن عيسى الأربلي: مناقب الإمام الكاظم(عليه السلام) وفضائله ومعجزاته الظاهرة، ودلائله وصفاته الباهرة، تشهد أنّه افترع قبّة الشرف وعلاها، وسماها إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها، وذلّلت له كواهل السيادة فركبها وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها واصطفاها، طالت أصوله، فسمت إلى أعلى رتب الجلال، وسمت فروعه فعلت إلى حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه، ويكاد الشرف يقطر من أعطافه. فكان كما قال الشاعر:
أتاه المجد من هنا وهنـــا وكنا له كمجتمع السيول
السحاب الماطر قطرة من كرمه، والعباب الزاخر نّغْبَة[2] من نغبه، واللباب الفاخر عبد من عبيده وخدمه، كأن الشِعرى علّقت في يمينه، ولا كرامة للشعرى العبور، وكأن الرياض أشبهت خلائقه، ولا نعمى لعين الروضة الممطور)[3].
وعن محمد بن عبد الله البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دَينا فأعياني، فقلت: لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى(عليه السلام) فشكوت إليه، فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إليَّ ومعه غلام معه منشف فيه قديد مجزع، ليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل ولم يقم إلا يسيراً حتى خرج إلي، فقال لغلامه: (اذهب) ثم مد يده إليّ فدفع إليّ صُرّةً فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى، فقمت وركبت دابتي وانصرفت)[4].
كما رووا عن عيسى بن محمّد بن مغيث القرطبي، قال: (زرعت بطّيخاً وقثاءاً وقرعاً في موضع بالجوانية، على بئر يقال لها: أم عظام، فلمّا قرب الخير، واستوى الزرع، بغتني الجراد، فأتى على الزرع كلّه، وكنت غرمت على الزرع، وفي ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمّد(عليه السلام)، فسلّم، ثمّ قال(عليه السلام): (أي شيء حالك؟)، فقلت: أصبحت كالصريم، بغتني الجراد فأكل زرعي، قال(عليه السلام): (وكم غرمت فيه؟) فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين، فقال(عليه السلام): (يا عرفة زن لأبي المغيث مائة وخمسين ديناراً، فربحك ثلاثون ديناراً والجملان)، فقلت: يا مبارك ادخل وادع لي فيها بالبركة، فدخل ودعا، وحدّثني عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (تمسّكوا ببقايا المصائب)، ثمّ علقت عليه الجملين وسقيت، فجعل الله فيها البركة وزكت، فبعث منها بعشرة آلاف)[5].