النص على إمامته (عليه السلام)

 لقد كان الإمام الصادق(عليه السلام) حريصاً على بيان إمامة ولده موسى(عليه السلام) منذ صباه، كما هو الحال في كل إمام من الأئمة(عليهم السلام) حيث كان من جملة مهامه هو تنصيب الإمام اللاحق له من ولده، والإشارة إليه وتعريف الناس به، ليأمنوا من الضلال والانحراف، لما كان يعلمه بما ستواجه إمامته من ظروف إرهابية قاسية تضطرّه إلى  كتمان أمره، إضافة إلى  إدّعاء بعض إخوته الإمامة أيضاً.

فعن سليط الزيدي قال: لقينا أبا عبد الله(عليه السلام) في طريق مكّة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت واُمّي أنتم الأئمة المطهّرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إليَّ شيئاً اُلقيه إلى  من يخلفني، فقال(عليه السلام)  لي: ( نعم هؤلاء ولدي وهذا سيّدهم، وأشار إلى  إبنه موسى(عليه السلام)، وفيه علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة وما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حُسن الخُلق وحُسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ)[1].

وعن إبراهيم الكرخي قال: دخلتُ على أبي عبد الله(عليه السلام)، فإنّي لَجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر وهو غلام فقمتُ إليه فقبّلته وجلستُ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): (يا إبراهيم أما أنّه صاحبك من بعدي، أما ليهلكنَّ فيه قوم، ويسعد آخرون)[2].

وروى يعقوب بن جعفر الحميري، عن إسحاق بن جعفر الصادق(عليه السلام)
قال: كنت عند أبي يوماً فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال: إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين، وهو الطالع عليك من الباب، فما لبثنا أن طلع علينا كفان آخذتان بالبابين، حتى انفتحتا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر(عليه السلام)، وهو صبي وعليه ثوبان أصفران)[3].

وهكذا أغلب النصوص المروية عن الإمام الصادق(عليه السلام) في إمامة ولده موسى(عليه السلام) كانت في أيام صباه، ولم يستطع الإمام(عليه السلام) التصريح بعد ذلك بإمامة موسى(عليه السلام) للظروف الإرهابية القاسيّة في أيام خلافة المنصور، ويكفي التأمّل في النصّ التالي الذي يبيّن أن المنصور كان على علم بمحل الإمامة الإلهية ومَن يمثلها ومع ذلك فهو يترصد للفتك بهم خوفاً على مُلكه، وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ النَّحْوِيِّ قَالَ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَأَتَيْتُه فَدَخَلْتُ عَلَيْه وهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ وبَيْنَ يَدَيْه شَمْعَةٌ وفِي يَدِه كِتَابٌ، قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْه رَمَى بِالْكِتَابِ إِلَيَّ وهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لِي: هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّا لِله وإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ - ثَلَاثاً - وأَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: اكْتُبْ، قَالَ: فَكَتَبْتُ صَدْرَ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ، إِنْ كَانَ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِه فَقَدِّمْه واضْرِبْ عُنُقَه، قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْه الْجَوَابُ أَنَّه قَدْ أَوْصَى إِلَى خَمْسَةٍ وَاحِدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ومُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وعَبْدُ الله ومُوسَى وحَمِيدَةُ.... قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ سَبِيلٌ)[4].

وقد تولَّى الإمام الكاظم(عليه السلام) منصب الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق(عليه السلام)، في وقتٍ شَهدَتْ فيه الدولة العباسية استقرار أركانها، وثبات بُنْيانها، فتنكَّرَت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد(صلى الله عليه وآله)، وتنبَّهت إلى الوريث الشرعيِّ لشجرة النبوَّة، مشهرة سيف العِداء له(عليه السلام) ولشيعته، وذلك لتلافي تعاظم نفوذ الإمام(عليه السلام) في أن يأتي على أركان دولتهم، ويقضي عليها، فشهد الإمام الكاظم(عليه السلام) طِيلة سِنِيِّ حياته صنوف التضييق والمزاحمة، إلاَّ أنَّ ذلك لم يمنعه(عليه السلام) من أن يؤدِّي رسالته في حماية الدين وقيادة الأمة.

 


[1]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج1، ص34.

[2]  إعلام الورى للشيخ الطبرسي: ج2، ص235.

[3] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج48، ص20.

[4]  الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص311.