عن الإِمامِ الرِّضا (عليه السلام) أَنَّهُ قالَ لابنِ أَبي نَصْرٍ: (يَا بنَ أَبي نَصرٍ، أَيْنَما كُنْتَ فَاحضُرْ يَوْمَ الغَدِيرِ عِنْدَ أَميرِ المُؤمِنينَ (عليه السلام)؛ فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ، ومُسْلِمٍ ومُسْلِمَةٍ ذُنوبَ سِتّينَ سَنَةً، ويُعْتِقُ مِنَ النَّارِ ضِعْفَ ما أَعْتَقَ في شَهْرِ رَمَضانَ ولَيلَةِ القَدْرِ ولَيلَةِ الفِطْرِ)[1].
وإنّ الإمامَ عليَّ بنَ محمدٍ النَّقي (عليه السلام) قد زارَ الأَمير (عليه السلام) يومَ الغديرِ في السنة التي أشخصهُ المعتصمُ، وصفتُها كما يلي: إذا أردتَ ذلك فقفَ على باب القبّةِ المنوّرةِ واستأْذن، ثمَّ ادخلْ مقدِّماً رجلك اليُمنى على اليسرى، وامشِ حتى تقفَ على الضريح واستقبلْه واجعلِ القبلةَ بين كتفيك وقلْ:
در آستانه ی حرم بايست، اذن دخول بخوان، با پاى راست وارد حرم شده، رو به قبر شريف و پشت به فبله ايستاده بگو:
السَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، خاتَمِ النَّبِيّيِنَ، وَسَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةِ رَبِّ العالَمِينَ، أَمِينِ اللهِ عَلى وَحْيِهِ، وَعَزائِمِ أَمْرِهِ، وَالخاتِمِ لِما سَبَقَ، ولفاتِحِ لِما اسْتُقْبِلَ، وَالمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ. السَّلامُ عَلى أَنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، وَمَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ، وَعِبادِهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدَ الوَصِيِّينَ، وَوارِثَ عِلْمِ النَّبِييِّنَ، وَوَلِيَّ رَبِّ العالَمِينَ، وَمَوْلايَ وَمَوْلى المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يامَوْلايَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، يا أَمِينَ اللِه فِي أَرْضِهِ، وَسَفِيرَهُ عَلى خَلْقِهِ، وَحُجَّتَهُ البالِغَةَ عَلى عِبادِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا دِينَ اللهِ القَوِيمَ، وَصِراطَهُ المُسْتَقِيمَ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها النَّبَأُ العَظِيمُ الَّذِي هُمْ فِيِهِ مُخْتَلِفُونَ، وَعَنْهُ يُسْأَلُونَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آمَنْتَ بِاللهِ وَهُمْ مُشْرِكونَ، وَصَدَّقْتَ بِالحَقِّ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ، وَجاهَدْتَ وَهُمْ مُحْجِمُونَ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، صابِراً مُحْتَسِباً حَتَّى أَتاكَ اليَّقِينُ، أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلى الظَّالِمِينَ.
السَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ المُسْلِمِينَ، وَيَعْسُوبَ المُؤْمِنِينَ، وَإِمامَ المُتَّقِينَ، وَقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أَشْهَدُ أَنَّكَ أَخُو رَسُولِ اللهِ وَوَصِيُّهُ، وَوارِثُ عِلْمِهِ، وَأَمِينُهُ عَلى شَرْعِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي أُُمَّتِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ، وَصَدَّقَ بِما أُنْزِلَ عَلى نَبِيِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنِ اللهِ ماأَنْزَلَهُ فِيكَ، فَصَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَأَوْجَبَ عَلى أُُمَّتِهِ فَرْضَ طاعَتِكَ وَوِلايَتِكَ، وَعَقَدَ عَلَيْهِمْ البَيْعَةَ لَكَ، وَجَعَلَكَ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفِسِهِمْ، كَما جَعَلَهُ اللهُ كَذلِكَ، ثُمَّ أَشْهَدَ اللهَ تَعالى عَلَيْهِمْ، فَقالَ: أَلَسْتُ قَدْ بَلَّغْتُ؟ فَقالُوا: اللَّهُمَّ بَلى، فَقالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَكَفى بِكَ شَهِيداً، وَحاكِماً بَيْنَ العِبادِ، فَلَعَنَ اللهُ جاحِدَ وِلايَتِكَ بَعْدَ الإِقْرارِ، وَناكِثَ عَهْدِكَ بَعْدَ المِيثاقِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ تَعالى، وَأَنَّ اللهَ تَعالى مُوفٍ لَكَ بِعَهْدِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهِ اللهُ فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظِيماً، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ الحَقُّ، الَّذِي نَطَقَ بِولايَتِكَ التَّنْزِيلُ، وَأَخَذَ لَكَ العَهْدَ عَلى الأُمَّةِ بِذلِكَ الرَّسُولُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَعَمَّكَ وَأَخاكَ الَّذِينَ تاجَرْتُمْ اللهَ بِنُفُوسِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ: (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ التَّائِبُونَ العابِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ النَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِين).
أَشْهَدُ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الشَّاكَّ فِيكَ ما آمَنَ بِالرَّسُولِ الأَمِينِ، وَأَنَّ العادِلَ بِكَ غَيْرَكَ عانِدٌ عَنِ الدِّينِ القَوِيمِ، الَّذِي ارْتَضاهُ لَنا رَبُّ العالَمِينَ، وَأَكْمَلَهُ بِوِلايَتِكَ يَوْمَ الغَدِيرِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ المَعْنِيُّ بِقَوْلِ العَزِيزِ الرَّحِيمِ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)؛ ضَلَّ وَاللهِ وَأَضَلَّ مِنِ اتَّبَعَ سِواكَ، وَعَنَدَ عَنِ الحَقِّ مَنْ عاداكَ، اللَّهُمَّ سَمِعْنا لأَمْرِكَ، وَأَطَعْنا، وَاتَّبَعْنا صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ، فَاهْدِنا رَبَّنا وَلاتُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إِلى طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِأَنْعُمِكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوى مُخالِفاً، وَلِلْتُقى مُحالِفاً، وَعَلى كَظْمِ الغَيْظِ قادِراً، وَعَنِ النَّاسِ عافِياً غافِراً، وَإِذا عُصيَ اللهُ ساخِطاً، وَإِذا أُطِيعَ اللهُ راضِياً، وَبِما عَهِدَ إِلَيْكَ عامِلاً، راعِياً لِما اسْتُحْفِظْتَ، حافِظاً لِما اسْتُودِعْتَ، مُبَلِّغاً ما حُمِّلْتَ، مُنْتَظِراً ما وُعِدْتَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ ما اتَّقَيْتَ ضارِعاً، وَلا أَمْسَكْتَ عَنْ حَقِّكَ جازِعاً، وَلا أَحْجَمْتَ عَنْ مُجاهَدَةِ غاصِبِيكَ ناكِلاً، وَلا أَظْهَرْتَ الرِّضى بِخِلافِ ما يُرْضِي اللهَ مُداهِناً، وَلا وَهَنْتَ لِما أَصابَكَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلا ضَعُفْتَ وَلا اسْتَكَنْتَ عَنْ طَلَبِ حَقِّكَ مُراقِباً، مَعاذَ اللهِ أَنْ تَكُونَ كَذلِكَ، بَلْ إِذْ ظُلِمْتَ احْتَسَبْتَ رَبَّكَ، وَفَوَّضْتَ إِلَيْهِ أَمْرَكَ، وَذَكَّرْتَهُمْ فَما ادَّكَرُوا، وَوَعَظْتَهُمْ فَما اتَّعَظُوا، وَخَوَّفْتَهُمُ اللهَ فَما تَخَوَّفُوا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، حَتّى دَعاكَ اللهُ إِلى جِوارِهِ، وَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاْخِتيارِهِ، وَأَلْزَمَ أَعْداءَكَ الحُجَّةَ بِقَتْلِهِمْ إِيَّاكَ؛ لِتَكُونَ الحُجَّةُ لَكَ عَلَيْهِمْ مَعَ ما لَكَ مِنَ الحُجَجِ البالِغَةِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، عَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً، وَجاهَدْتَ فِي اللهِ صابِراً، وَجُدْتَ بِنَفْسِكَ، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ، وَاتَّبَعْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَأَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ ما اسْتَطَعْتَ، مُبْتَغِياً ما عِنْدَ اللهِ راغِباً فِيما وَعَدَ اللهُ، لاتَحْفِلُ بِالنَّوائِبِ، وَلاتَهِنُ عِنْدَ الشَّدائِدِ، وَلا تَحْجُمُ عَنْ مُحارِبٍ، أَفِكَ مَنْ نَسَبَ غَيْرَ ذلِكَ إِلَيْكَ، وَافْتَرى باطِلاً عَلَيْكَ، وَأَوْلى لِمَنْ عَنَدَ عَنْكَ، لَقَدْ جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهادِ، وَصَبَرْتَ عَلى الأَذى صَبْرَ احْتِسابٍ، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَلّى لَهُ، وَجاهَدَ، وَأَبْدى صَفْحَتَهُ فِي دارِ الشِّرْكِ، وَالأَرضُ مَشْحُونَةٌ ضَلالَةً، وَالشَّيْطانُ يُعْبَدُ جَهْرَةً، وَأَنْتَ القائِلُ: لاتَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلا تَفَرُّقَهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلَوْ أَسْلَمَنِي النَّاسُ جَميعاً لَمْ أَكُنْ مُتَضَرِّعاً.
اعْتَصَمْتَ بِاللهِ فَعَزَزْتَ، وَآثَرْتَ الآخِرَةَ عَلى الأُولى فَزَهِدْتَ، وَأَيَّدَكَ اللهُ وَهَداكَ وَأَخْلَصَكَ وَاجْتَباكَ، فَما تَناقَضَتْ أَفْعالُكَ، وَلا اخْتَلَفَتْ أَقْوالُكَ، وَلا تَقَلَّبَتْ أَحْوالُكَ، وَلا ادَّعَيْتَ، وَلا افْتَرَيْتَ عَلى اللهِ كَذِباً، وَلا شَرِهْتَ إِلى الحُطامِ، وَلا دَنَّسَكَ الآثامُ، وَلَمْ تَزَلْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وَيَقِينٍ مِنْ أَمْرِكَ، تَهْدِي إِلى الحَقِّ وَإِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. أَشْهَدُ شَهادَةَ حَقٍّ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ قَسَمَ صِدْقٍ، أَنَّ مُحَمَّداً وَآلَهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ ساداتُ الخَلْقِ، وَأَنَّكَ مَوْلايَ وَمَولى المُؤْمِنِينَ، وَأَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَوَلِيُّهُ، وَأَخُو الرَّسُولِ وَوَصِيُّهُ، وَوارِثُهُ، وَأَنَّهُ القائِلُ لَكَ: وَالَّذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ ما آمَنَ بِي مَنْ كَفَرَ بِكَ، وَلا أَقَرَّ بِاللهِ مَنْ جَحَدَكَ، وَقَدْ ضَلَّ مَنْ صَدَّ عَنْكَ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلى اللهِ وَلا إِلى مَنْ لايَهْتَدِي بِكَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِّي عَزّ وَجَلَّ: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ثُمَّ اهْتَدى إِلى وَلايَتِكَ.
مَوْلايَ فَضْلُكَ لا يَخْفى، وَنُورُكَ لا يُطْفأُ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الأَشْقى، مَوْلايَ أَنْتَ الحُجَّةُ عَلى العِبادِ، وَالهادِي إِلى الرَّشادِ، وَالعُدَّةُ لِلْمَعادِ، مَوْلايَ لَقَدْ رَفَعَ اللهُ فِي الأُولى مَنْزِلَتَكَ، وَأَعْلى فِي الآخِرةِ دَرَجَتَكَ، وَبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَنْ خالَفَكَ، وَحالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مواهِبِ اللهِ لَكَ، فَلَعَنَ اللهُ مُسْتَحِلِّي الحُرْمَةِ مِنْكَ، وَذائِدِي الحَقِّ عَنْكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُمْ الأَخْسَرُونَ، الَّذِينَ تَلْفَحُ وَجُوهَهَمُ النَّارُ، وَهُمْ فِيها كالِحُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ ما أَقْدَمْتَ، وَلا أَحْجَمْتَ، وَلا نَطَقْتَ، وَلا أَمْسَكْتَ، إِلاّ بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، قُلْتَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدُماً، فَقالَ:
يا عَلِيُّ، أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هارونَ مِنْ مُوسى، إِلاّ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَأُعْلِمُكَ أَنَّ مَوْتَكَ وَحَياتَكَ مَعِي، وَعَلى سُنَّتِي. فَوَ اللهِ ما كَذِبْتُ وَلا كُذِّبْتُ، وَلا ضَلَلْتُ وَلا ضُلَّ بِي، وَلا نَسِيتُ ما عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، وَإِنِّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، بَيَّنَها لِنَبِيِّهِ وَبَيَّنَها النَّبِيُّ لِي، وَإِنِّي لَعَلى الطَّرِيقِ الواضِحِ أَلْفُظُهُ لَفْظاً. صَدَقْتَ وَاللهِ، وَقُلْتَ الحَقَّ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ ساواكَ بِمَنْ ناواكَ، وَاللهُ جَلَّ اسْمُهُ يَقُولُ: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
فَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَدَلَ بِكَ مَنْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ وَلايَتَكَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، وَالذَّابُّ عَنْ دِينِهِ، وَالَّذِي نَطَقَ القُرْآنُ بِتَفْضِيلِهِ، قالَ اللهُ تَعالى: (وَفَضَّلَ اللهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) وَقالَ اللهُ تَعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِر وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الفائِزُونَ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، أَشْهَدُ أَنَّكَ المَخْصُوصُ بِمِدْحَةِ اللهِ، المُخْلِصُ لِطاعَةِ اللهِ، لَمْ تَبْغِ بِالهُدىْ بَدَلاً، وَلَمْ تُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أَحَداً، وَأَنَّ اللهَ تَعالى اسْتَجابَ لِنَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيكَ دَعْوَتَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِظْهارِ ما أَوْلاكَ لأُمَّتِهِ؛ إِعْلاءً لِشَأْنِكَ، وَإِعْلاناً لِبُرْهانِكَ، وَدَحْضاً لِلأَباطِيلِ، وَقَطْعاً لِلْمَعاذِيرِ، فَلَمّا أَشْفَقَ مِنْ فِتْنَةِ الفاسِقِينَ، وَاتَّقى فِيكَ المُنافِقِينَ، أَوْحى إِلَيْهِ رَبُّ العالَمِينَ: (يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فَوَضَعَ عَلى نَفْسِهِ أَوْزارَ المَسِيرِ، وَنَهَضَ فِي رَمْضاءِ الهَجِيرِ، فَخَطَبَ وَأَسْمَعَ، وَنادى فَأَبْلَغَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَجْمَعَ فَقالَ: هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَقالوا: اللَّهُمَّ بَلى، فَقالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.
ثُمَّ قالَ: أَلَسْتُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ فَقالوا: بَلى، فَأَخَذَ بَيَدِكَ وَقالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.
فَما آمَنَ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيكَ عَلى نَبِيِّهِ إِلاّ قَلِيلٌ، وَلا زادَ أَكْثَرَهُمْ غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعالى فِيكَ مِنْ قَبْلُ وَهُمْ كارِهُونَ: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، (إِنَّما وَلِيُّكُمْ اللهِ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبُونَ)، (رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ، رَبَّنا لاتُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ).
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ هذا هُوَ الحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فَالْعَنْ مَنْ عارَضَهُ وَاسْتَكْبَرَ وَكَذَّبَ بِهِ وَكَفَرَ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدَ الوَصِيِّينَ، وَأَوَّلَ العابِدِينَ، وَأَزْهَدَ الزَّاهِدِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِياتُهُ، أَنْتَ مُطْعِمُ الطَّعامِ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً لِوَجْهِ اللهِ، لا تُرِيدُ مِنْهُمْ جَزاءً وَلاشُكُوراً، وَفِيكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، وَأَنْتَ الكاظِمُ لِلْغَيْظِ وَالعافِي عَنِ النَّاسِ، وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ، وَأَنْتَ الصَّابِرُ فِي البَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ، وَأَنْتَ القاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَالعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَالعالِمُ بِحُدُودِ اللهِ مِنْ جَمِيعِ البَرِيَّةِ، وَاللهُ تَعالى أَخْبَرَ عَمَّا أَوْلاكَ مِنْ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ: (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ، أَمّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ المَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)، وَأَنْتَ المَخْصُوصُ بِعِلْمِ التَّنْزِيلِ، وَحُكْمِ التَّأْوِيلِ، وَنَصِّ الرَّسُولِ، وَلَكَ المَواقِفُ المَشْهُودَةُ، وَالمَقاماتُ المَشْهُورَةُ، وَالأَيَّامُ المَذْكُورَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الأَحْزابِ، (وَإِذْ زاغَتِ الأَبْصارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونا، هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً، وَإذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً، وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِي بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً)، وَقالَ اللهُ تَعالى: (وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاّ إِيْماناً وَتَسْلِيماً)، فَقَتلْتَ عَمْرَهُمْ، وَهَزَمْتَ جَمْعَهُمْ، وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ، وَكانَ اللهُ قَوِياً عَزِيزاً. وَيَوْمَ أُحُدٍ إِذْ يُصْعِدُونَ وَلا يَلْوُوْنَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْراهُمْ وَأَنْتَ تَذُودُ بُهَمَ (بِهِمُ) المُشْرِكينَ عَنِ النَّبِيَّ ذاتَ اليَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ، حَتّى رَدَّهُمُ اللهُ تَعالى عَنْكُما خائِفِينَ، وَنَصَرَ بِكَ الخاذِلِينَ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَلى ما نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيلُ: (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلى المُؤْمِنِينَ)، وَالمُؤْمِنُونَ أَنْتَ وَمَنْ يَلِيكَ، وَعَمُّكَ العَبَّاسُ يُنادِي المُنْهَزِمِينَ: يا أَصْحابَ سُورَةِ البَقَرَةِ، يا أَهْلَ بَيْعَةِ الشَّجَرَةِ، حَتّى اسْتَجابَ لَهُ قَوْمٌ قَدْ كَفَيْتَهُمُ المَؤُونَةَ، وَتَكَلَّفْتَ دُونَهُمُ المَعُونَةَ، فَعادُوا آيِسِينَ مِنَ المَثُوبَةِ، راجِينَ وَعْدَ اللهِ تعالى بِالتَّوْبَةِ، وَذلِكَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ)، وَأَنْتَ حائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبْرِ، فائِزٌ بِعَظِيمِ الأَجْرِ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ إِذْ أَظْهَرَ اللهُ خَوَرَ المُنافِقِينَ، وَقَطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهََ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤولاً).
مَوْلايَ أَنْتَ الحُجَّةُ البالِغَةُ، وَالمَحَجَّةُ الواضِحَةُ، وَالنِّعْمَةُ السابِغَةُ، وَالبُرْهانُ المُنِيرُ، فَهَنِيئاً لَكَ بِما آتاكَ اللهُ مِنْ فَضْلٍ، وَتَبّاً لِشانِئِكَ ذِي الجَهْلِ، شَهِدْتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَمِيعَ حُروبِهِ وَمَغازِيهِ، تَحْمِلُ الرَّايَةَ أَمامَهُ، وَتَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدَّامَهُ، ثُمَّ لِحَزْمِكَ المَشْهُورِ، وَبَصِيرَتِكَ فِي الأُمورِ، أَمَّرَكَ فِي المَواطِنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ أَمِيرٌ.
وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّكَ عَنْ إِمْضاءِ عَزْمِكَ فِيهِ التُّقى، وَاتَّبَعَ غَيْرُكَ فِي مِثْلِهِ الهَوى، فَظَنَّ الجاهِلُونَ أَنَّكَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَيْهِ انْتَهى، ضَلَّ وَاللهِ الظَّانُّ لِذلِكَ وَما اهْتَدى، وَلَقَدْ أَوْضَحْتَ ما أَشْكَلَ مِنْ ذلِكَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَامْتَرى بِقَوْلِكَ صَلّى اللهُ عَلَيْكَ: قَدْ يَرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحِيلَةِ وَدُونَها حاجِزٌ مِنْ تَقْوى اللهِ، فَيَدَعُها رَأْيَ العَيْنِ، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَها مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ، صَدَقْتَ وَخَسِرَ المُبْطِلُونَ. وَإِذْ ماكَرَكَ الناكِثانِ فَقالا: نُرِيدُ العُمْرَةَ! فَقُلْتَ لَهُما: لَعَمْرُكُما ما تُرِيدانِ العُمْرَةَ، لكِنْ تُرِيدانِ الغَدْرَةَ! فَأَخَذْتَ البَيْعَةَ عَلَيْهِما، وَجَدَّدْتَ المِيثاقَ فَجَدّاً فِي النِّفاقِ، فَلَمَّا نَبَّهْتَهُما عَلى فِعْلِهِما أَغْفَلا، وَعادا، وَما انْتَفَعا، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِهِما خُسْراً.
ثُمَّ تَلاهُما أَهْلُ الشَّامِ فَسِرْتَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الإِعْذارِ، وَهُمْ لا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ، وَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ، هَمَجٌ رعاعٌ ضالُّونَ، وَبِالَّذِي أُُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ فِيْكَ كافِرُونَ، وَلأَهْلِ الخِلافِ عَلَيْكَ ناصِرُونَ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالى بِاتِّباعِكَ، وَنَدَبَ المُؤْمِنِينَ إِلى نَصْرِكَ، وَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). مَوْلايَ، بِكَ ظَهَرَ الحَقُّ وَقَدْ نَبَذَهُ الخَلْقُ، وَأَوْضَحْتَ السُّنَنَ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَالطَّمْسِ، فَلَكَ سابِقَةُ الجِهادِ عَلى تَصْدِيقِ التَّنْزِيلِ، وَلَكَ فَضِيلَةُ الجِهادِ عَلى تَحْقِيقِ التَّأْوِيلِ. وَعَدُوُّكَ عَدُوُّ اللهِ، جاحِدٌ لِرَسُولِ اللهِ، يَدْعُو باطِلاً، وَيَحْكُمُ جائِراً، وَيَتَأَمَّرُ غاضِباً، وَيَدْعُو حِزْبَهُ إِلى النَّارِ، وَعَمَّارُ يُجاهِدُ وَيُنادِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، الرَّواحَ الرَّواحَ إِلى الجَنَّةِ، وَلَمّا اسْتَسْقَى فَسُقِيَ اللَّبَنَ، كَبَّرَ وَقالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: آخِرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنْيا ضَياحٌ مِنْ لَبَنٍ، وَتَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ، فَاعْتَرَضَهُ أَبُو العادِيَةِ الفَزارِيُّ فَقَتَلَهُ؛ فَعَلى أَبِي العادِيَةِ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلى مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ عَلَيْكَ وَسَلَلْتَ سَيْفَكَ عَلَيْهِ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ المُشْرِكِينَ وَالمُنافِقِينَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَلى مَنْ رَضِيَ بِما ساءَكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ، وَأَغْمَضَ عَيْنَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ، أَوْ أَعانَ عَلَيْكَ بِيَدٍ أَوْ لِسانٍ، أوْ قَعَدَ عَنْ نَصْرِكَ، أوْ خَذَلَ عَنِ الجِهادِ مَعَكَ، أوْ غَمَطَ فَضْلَكَ وَجَحَدَ حَقَّكَ، أوْ عَدَلَ بِكَ مَنْ جَعَلَكَ اللهُ أَوْلى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَصَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَسَلامُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، وَعَلى الأَئِمَّةِ مِنْ آلِكَ الطَّاِهرِينَ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَالأَمْرُ الأَعْجَبُ وَالخَطْبُ الأَفْظَعُ بَعْدَ جَحْدِكَ حَقَّكَ غَصْبُ الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ فَدَكاً، وَرَدُّ شَهادَتِكَ وَشَهادَةِ السَّيِّدَيْنِ سُلالَتِكَ وَعِتْرَةِ المُصْطَفى صَلّى اللهُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْلى اللهُ تَعالى عَلى الأُمَّةِ دَرَجَتَكُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَكُمْ، وَأَبانَ فَضْلَكُمْ، وَشَرَّفَكُمْ عَلى العالَمِينَ، فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً إِلاّ المُصَلِّينَ)، فَاسْتَثْنى اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ المُصْطَفى، وَأَنْتَ يا سَيِّدَ الأَوْصِياءِ مِنْ جَمِيعِ الخَلْقِ، فَما أَعْمَهَ مَنْ ظَلَمَكَ عَنِ الحَقِّ! ثُمَّ أَفْرَضُوكَ سَهْمَ ذِي القُرْبى مَكْراً، وَأَحادُوهُ عَنْ أَهْلِهِ جَوْراً، فَلَمّا آلَ الأَمْرُ إِلَيْكَ أَجْرَيْتَهُمْ عَلى ما أَجْرَيا رَغْبَةً عَنْهُما بِما عِنْدَ اللهِ لَكَ، فَأَشْبَهَتْ مِحْنَتُكَ بِهِما مِحَنَ الأَنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، عِنْدَ الوَحْدَةِ وَعَدَمِ الأَنْصارِ، وَأَشْبَهْتَ فِي البَياتِ عَلى الفِراشِ الذَّبِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ إِذْ أَجَبْتَ كَما أَجابَ، وَأَطَعْتَ كَما أَطاعَ إِسْماعِيلُ صابِراً مُحْتَسِباً، إِذْ قالَ لَهُ: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي المَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ: (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّاِبِرينَ)، وَكَذلِكَ أَنْتَ لَمّا أَباتَكَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَمَرَكَ أَنْ تَضْجَعَ فِي مَرْقَدِهِ، وَاقِياً لَهُ بِنَفْسِكَ، أَسْرَعْتَ إِلى إِجابَتِهِ مُطِيعاً، وَلِنَفْسِكَ عَلى القَتْلِ مُوَطِّناً، فَشَكَرَ اللهُ تَعالى طاعَتَكَ، وَأَبانَ عَنْ جَمِيلِ فِعْلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).
ثُمَّ مِحْنَتُكَ يَوْمَ صِفِّينَ، وَقَدْ رُفِعَتِ المَصاحِفُ حِيلَةً وَمَكْراً، فَأَعْرَضَ الشَّكُّ، وَعُرِفَ الحَقُّ، وَاتُّبِعَ الظَّنُّ، أَشْبَهَتْ مِحْنَةَ هارُونَ؛ إِذْ أَمَّرَهُ مُوسى عَلى قَوْمِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَهارُونُ يُنادِي بِهِمْ وَيَقُولُ: (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)، وَكذلِكَ أَنْتَ لَمَّا رُفِعَتِ المَصاحِفُ قُلْتَ: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِها وَخُدِعْتُمْ، فَعَصَوْكَ وَخالَفُوا عَلَيْكَ، وَاسْتَدْعَوا نَصْبَ الحَكَمَيْنِ فَأَبَيْتَ عَلَيْهِمْ، وَتَبَرَّأْتَ إِلى اللهِ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَفَوَّضْتَهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَسْفَرَ الحَقُّ، وَسَفِهَ المُنْكَرُ، وَاعْتَرَفُوا بِالزَّلَلِ وَالجَوْرِ عَنِ القَصْدِ، اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلْزَمُوكَ عَلى سَفَهٍ التَّحْكِيمَ الَّذِي أَبَيْتَهُ وَأَحَبُّوهُ وَحَظَرْتَهُ، وَأَباحُوا ذَنْبَهُمْ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ، وَأَنْتَ عَلى نَهْجِ بَصِيرَةٍ وَهُدىً، وَهُمْ عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وَعَمىً، فَما زالُوا عَلى النِّفاقِ مُصِرِّينَ، وَفِي الغَيِّ مُتَرَدِّدِينَ، حَتّى أَذاقَهُمُ اللهُ وَبالَ أَمْرِهِمْ، فَأَماتَ بِسَيْفِكَ مَنْ عانَدَكَ، فَشَقِيَ وَهَوى، وَأَحْيا بِحُجَّتِكَ مَنْ سَعَدَ فَهُدِيَ. صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ غادِيَةً وَرائِحَةً وَعاكِفَةً وَذاهِبَةً، فَما يُحِيطُ المادِحُ وَصْفَكَ، وَلا يُحْبِطُ الطَّاعِنُ فَضْلَكَ، أَنْتَ أَحْسَنُ الخَلْقِ عِبادَةً، وَأَخْلَصُهُمْ زَهادَةً، وَأَذَبُّهُمْ عَنِ الدِّينِ. أَقَمْتَ حُدُودَ اللهِ بِجُهْدِكَ، وَفَلَلْتَ عَساكِرَ المارِقِينَ بِسَيْفِكَ، تُخْمِدُ لَهَبَ الحُرُوبِ بِبَنانِكَ، وَتَهْتِكُ سُتُورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ، وَتَكْشِفُ لَبْسَ الباطِلِ عَنْ صَرِيحِ الحَقِّ، لا تَأْخُذُكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَفِي مَدْحِ اللهِ تَعالى لَكَ غِنىً عَنْ مَدْحِ المادِحِينَ وَتَقْرِيظِ الواصِفِينَ، قالَ اللهُ تَعالى: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). وَلَمَّا رَأَيْتَ أَنْ قَتَلْتَ النَّاكِثِينَ وَالقاسِطِينَ وَالمارِقِينَ، وَصَدَّقَكَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعْدَهُ، فَأَوْفَيْتَ بِعَهْدِهِ، قُلْتَ: أَما آنَ أَنْ تُخْضَبَ هذِهِ مِنْ هذِهِ؟ أَمْ مَتى يُبْعَثُ أَشْقاها؟ واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وَبَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ، قادِمٌ عَلى اللهِ، مُسْتَبْشِرٌ بِبَيْعِكَ الَّذِي بايَعْتَهُ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ أَنْبِيائِكَ، وَأَوْصِياءِ أَنْبِيائِكَ، بِجَمِيعِ لَعَناتِكَ، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، وَالْعَنْ مَنْ غَصَبَ وَلِيَّكَ حَقَّهُ، وَأَنْكَرَ عَهْدَهُ، وَجَحَدَهُ بَعْدَ اليَقِينِ وَالإِقْرارِ بِالوِلايَةِ لَهُ يَوْمَ أَكْمَلْتَ لَهُ الدِّينَ، اللَّهُمَّ العَنْ قَتَلَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَمَنْ ظَلَمَهُ وَأَشْياعَهُمْ وَأَنْصارَهُمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ ظالِمِي الحُسَيْنِ، وَقاتِلِيهِ، وَالمُتابِعِينَ عَدُوَّهُ، وَناصِرِيهِ، وَالرَّاضِينَ بقَتْلِهِ وَخاذِلِيهِ، لَعْناً وَبِيلاً، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ وَمانِعِيهِمْ حُقُوقَهُمْ، اللَّهُمَّ خُصَّ أَوَّلَ ظالِمٍ وَغاصِبٍ لآلِ مُحَمَّدٍ بِاللَّعْنِ، وَكُلَّ مُسْتَنٍّ بِما سَنَّ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلى عَلِيٍّ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ، وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَاجْعَلْنا بِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ، وَبِوِلايَتِهِمْ مِنَ الفائِزِينَ الآمِنِينَ، الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.