دعاء العديلة

يقول الشيخ القمي (قدس سره) في مفاتيح الجنان: قَد وَرَد في الأدعية المأثورة: (اَللَّهُمَّ اِنِّي اَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَديلَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ)[1]، وَمعنى العديلة عند المَوت هُو العُدول إلى الباطِل عن الحقّ، وهُو بأن يحضر الشّيطان عند المحتضر ويوسوس في صَدره ويجعله يشكّ في دينه فيستل الإيمان مِن فؤاده، ولهذا قد وَردت الاستعاذة منها في الدّعوات، وقال فخر المحقّقين (رحمه الله): مَن أراد أن يَسلَم من العديلة فليستحضر [أركان] الإيمان بأدلّتها والأصول الخمسة ببراهينها القطعيّة بخلوص وصفاء وليودعها الله تعالى، ليردّها إليه في ساعة الاحتضار بأن يقول بعد استحضار عقائده الحقّة:

(اَللَّهُمَّ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ اِنّي قَدْ اَوْدَعْتُكَ يَقيني هذا وَثَباتَ ديني وَاَنْتَ خَيْرُ مُسْتَوْدَع وَقَدْ اَمَرْتَنا بِحِفْظِ الْوَدائِعِ فَرُدَّهُ عَلَيَّ وَقْتَ حُضُورِ مَوْتي)، فَعلى رأيه (قدس سره) قراءة هذا الدّعاء الشّريف «دُعاء العديلة» واستحضار مضمونه في البال تمنح المَرء أماناً من خطر العديلة عند الموت.

وأمّا هذا الدّعاء فهل هو عن المعصوم (عليه السلام) أم هو إنشاء من بعض العلماء، يقول في ذلك خِرِّيت صناعة الحديث وجامع أخبار الأئمة(عليهم السلام) العالم المتبحّر الخبير والمحدّث النّاقد البصير مولانا الحاج ميرزا حسين النّوري نوّر الله مرقده: (وأمّا دعاء العديلة المعروف فهو من مؤلّفات بعض أهل العلم ليس بمأثور ولا موجود في كتب حَمَلة الأحاديث ونقّادها)[2].

ولا بأس بقراءته لتحصيل ما مرّ في الروايات الشريفة، وأقوال العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم) من تثبيت العقائد الحقة عند الموت، وهو هذا الدعاء:

(شَهِدَ الله اَنَّهُ لا إلهَ اِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَاُولُوا الْعِلْمِ قآئِماً بِالْقِسْطِ لا إلهَ اِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ، اِنَّ الدّينَ عِنْدَ الله الاِْسْلامُ، وَاَنَا الْعَبْدُ الضَّعيفٌ الْمُذْنِبُ الْعاصِيُ الُمحْتاجُ الْحَقيرُ، اَشْهَدُ لِمُنْعِمي وَخالِقي وَرازِقي وَمُكْرِمي كَما شَهِدَ لِذاتِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ عِبادِهِ بِاَنَّهُ لا إلهَ اِلاّ هُوَ ذُو النِّعَمِ وَالاِْحْسانِ وَالْكَرَمِ وَالاِْمْتِنانِ، قادِرٌ اَزَلِيٌّ، عالِمٌ اَبَدِيٌّ، حَيٌّ اَحَدِيٌّ، مَوْجُودٌ سَرْمَدِيٌّ، سَميعٌ بَصيرٌ مُريدٌ كُارِهٌ مُدْرِكٌ صَمَدِيٌّ، يَسْتَحِقُّ هذِهِ الصِّفات وَهُوَ عَلى ما هُوَ عَلَيْهَ في عِزِّ صِفاتِهِ، كانَ قَوِيّاً قَبْلَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةَ، وَكانَ عَليماً قَبْلَ ايجادِ الْعِلْمِ وَالْعِلَّةِ، لَمْ يَزَلْ سُلْطاناً اِذْ لا مَمْلَكَةَ وَلا مالَ، وَلَمْ يَزَلْ سُبْحاناً عَلى جَميعِ الاَْحْوالِ، وُجُودُهُ قَبْلَ الْقَبْلِ في اَزَلِ الآزالِ، وَبَقآؤُهُ بَعْدَ الْبَعْدِ مِنْ غَيْرِ اِنْتِقال وَلا زَوال، غَنِيٌ فِي الأوّل وَالآخِرِ، مُسْتَغْن فِي الْباطِنِ وَالظّاهِرِ، لا جَوْرَ في قَضِيَّتِهِ وَلا مَيْلَ في مَشِيَّتِهِ، وَلا ظُلْمَ في تَقْديرِهِ وَلا مَهْرَبَ مِنْ حُكُومَتِهِ، وَلا مَلْجَاَ مِنْ سَطَواتِهِ وَلا مَنْجا مِنْ نَقِماتِهِ، سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَلا يَفُوتُهُ اَحَدٌ إذا طَلَبَهُ، اَزاحَ الْعِلَلَ فِي التَّكْليفِ وَسَوَّى التَّوْفيقَ بَيْنَ الضَّعيفِ وَالشَّريفِ، مَكَّنَ اَدآءَ الْمَاْمُورِ وَسَهَّلَ سَبيلَ اجْتِنابِ الَمحْظُورِ، لَمْ يُكَلِّفِ الطّاعَةَ اِلاّ دُوْنَ الْوُسْعِ والطّاقَةِ، سُبْحانَهُ ما اَبْيَنَ كَرَمَهُ وَاَعْلى شَأنَهُ، سُبْحانَهُ ما اَجَلَّ نَيْلَهُ وَاَعْظَمَ اِحْسانَهُ، بَعَثَ الاَْنْبِيآءَ لِيُبَيِّنَ عَدْلَهُ وَنَصَبَ الاَْوْصِيآءَ لِيُظْهِرَ طَوْلَهُ وَفَضْلَهُ، وَجَعَلَنا مِنْ اُمَّةِ سَيِّدِ الاَْنْبِيآءِ وَخَيْرِ الاَْوْلِيآءِ وَاَفْضَلِ الاَْصْفِيآءِ وَاَعْلَى الاَْزْكِيآءِ مُحَمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، آمَنّا به وَبِما دَعانا اِلَيْهِ وَبِالْقُرْآنِ الَّذي اَنْزَلَهُ عَلَيْهِ وَبِوَصِيِّهِ الَّذي نَصَبَهُ يَوْمَ الْغَديرِ وَاَشارِ بِقَوْلِهِ هذا عَلِيٌّ اِلَيْهِ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الاَْئِمَّةَ الاَْبْرارَ وَالْخُلَفآءَ الاَْخْيارَ بَعْدَ الرَّسُولِ الُمخْتارِ، عَلِيٌّ قامِعُ الْكُفّارِ وَمِنْ بَعْدِهِ سَيِّدُ اَوْلادِهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ اَخُوُه السِّبْطُ التّابِعُ لِمَرْضاتِ الله الْحُسَيْنُ، ثُمَّ الْعابِدُ عَلِيٌّ، ثُمَّ الْباقِرُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ الصّادِقُ جَعْفَرٌ، ثُمَّ الْكاظِمُ مُوسى، ثُمَّ الرِّضا عَلِيٌّ، ثُمَّ التَّقِيُّ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ النَّقِيُّ عَلِيٌّ، ثُمَّ الزَّكِيُّ الْعَسْكَرِيُّ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُجَّةُ الْخَلَفُ الْقآئِمُ الْمُنْتَظَرُ الْمَهْدِيُّ الْمُرجَى الَّذي بِبَقائِهِ بَقِيَتِ الدُّنْيا، وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرى، وَبِوُجُودِهِ ثَبتَتِ الاَْرْضُ وَالسَّمآءُ وَبِهِ يَمْلاَُ الله الاَْرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَاَشْهَدُ اَنَّ اَقْوالَهمْ حُجَّةٌ وَامْتِثالَهمْ فَريْضَةٌ وَطاعَتَهمْ مَفْرُوضَةٌ وَمَوَدَّتَهمْ لازِمَةٌ مَقْضِيَّةٌ، وَالاِْقْتِدآءَ بِهِمْ مُنْجِيَةٌ، وَمُخالَفَتَهُمْ مُرْدِيَةٌ، وَهُمْ ساداتُ اَهْلِ الْجَنَّةِ اَجْمَعينَ، وَشُفَعآءُ يَوْمِ الدّينِ وَاَئِمَّةُ اَهْلِ الاَْرْضِ عَلَى الْيَقينِ، وَاَفْضَلُ الاَْوْصِيآءِ الْمَرْضِيّينَ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ وَمُسآءَلَةَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَالْبَعْثَ حَقٌّ وَالنُّشُورَ حَقٌّ وَالصِّراطَ حَقٌّ، وَالْميزانَ حَقٌّ، وَالْحِسابَ حَقٌّ، وَالْكِتابَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنّارَ حَقٌّ، وَاَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها، وَاَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، اَللَّهُمَّ فَضْلُكَ رَجآئي وَكَرَمُكَ وَرَحْمَتُكَ اَمَلي لا عَمَلَ لي اَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ، وَلا طاعَةَ لي اَسْتَوْجِبُ بِهَا الرِّضْوانَ اِلاّ اَنِّي اعْتَقَدْتُ تَوْحيدَكَ وَعَدْلَكَ، وَارْتَجَيْتُ اِحْسانَكَ وَفَضْلَكَ، وَتَشَفَّعْتُ اِلَيْكَ بِالنَّبِيِّ وَآلِهِ مِنْ اَحِبَّتِكَ وَاَنْتَ اَكْرَمُ الاَْكْرَمينَ وَاَرْحَمُ الرّاحِمينَ، وَصَلَّى الله عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ الطَّيِّبينَ الطّاهِريْنَ وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً كَثيراً وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِالله الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، اَللَّهُمَّ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ اِنّي اَوْدَعْتُكَ يَقيني هذا وَثَباتَ ديني وَاَنْتَ خَيْرُ مُسْتَوْدَع وَقَدْ اَمَرْتَنا بِحِفْظِ الْوَدآئِعِ فَرُدَّهُ عَلَيَّ وَقْتَ حُضُورِ مَوْتي بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ).

وقد روى الشيخ الطوسي عن محمّد بن سليمان الدّيلمي أنّه قال للصّادق(عليه السلام): إن شيعتك تقول: إنّ الإيمان قسمان فمستقرّ ثابت ومستودع يزول، فعلّمني دعاءً يكمل به إيماني إذا دعوت به فلا يزول، قال(عليه السلام): قل عقيب كلّ صلاة مكتوبة: (رَضيتُ بِالله رَبّاً وَبِمُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ نَبِيّاً وَبِالاِسْلامِ ديناً وَبِالْقُرآنِ كِتاباً وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِعَلِيٍّ وَلِيّاً وَاِماماً وَبِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدَ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنَ مُحَمَّد وَمُوسى بْنِ جَعْفَر وَعَلِيِّ بْنِ مُوسى وَمُحَمَّدَ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُ الله عَلَيْهِمْ اَئمَّةً، اَللَّهُمَّ اِنّي رَضيتُ بِهِمْ اَئِمَّةً فَارْضَني لَهُمْ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ)[3].

 


[1] إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ج3، ص 187 فصل 11 ضمن دعاء عن الكاظم (عليه السلام).

[2] مستدرك سفينة البحار للمحدث النوري: ج7، ص 121.

[3] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج2، ص 109، ح 412.