كان مولانا الصادق(عليه السلام) إذا بسط المائدة حثّ أصحابه على الأكل ورغّبهم فيه، ولربّما يأتيهم بالشيء بعد الشبع، فيعتذرون فيقول(عليه السلام): (ما صنعتم شيئاً إن أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا)، ثمّ يروي لهم عن النبي(صلى الله عليه وآله) أمثال ذلك لتطيب نفوسهم بالأكل وترغب بالزيادة، ويروي لهم هذا القول، أعني (أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا) عن النبي(صلى الله عليه وآله) مع سلمان والمقداد وأبي ذر[1]، وقد يجيء بالقصعة من الأرز بعد انتهائهم من الأكل، فإذا امتنع أحدهم من الأكل قال له: (يعتبر حبّ الرجل لأخيه بانبساطه في طعامه)، ثمّ يحوز له حوزاً ويحمله على أكله، وإذا رآهم يقصّرون في الأكل خجلاً قال لهم: (تستبين مودَّة الرجل لأخيه في أكله)[2].
وكان إذا أطعم أصحابه يأتيهم بأجود الطعام، قال بعضهم: كان أبو عبد الله (عليه السلام) ربّما أطعمنا الفراني[3] والأخبصة[4]، ثمّ أطعمنا الخبز والزيت فقيل له: لو دبّرت أمرك حتّى يعتدل يوماك، فقال: (إِنما نتدبّر بأمر الله إذا وسّع وسّعنا وإذا قتّر قتّرنا)[5].
وقال أبو حمزة: كنّا عند أبي عبد الله(عليه السلام)في جماعة فأتانا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذةً وطيباً، واُتينا بتمر ننظر فيه وجوهنا من صفائه وحسنه[6]، وكان مع ذلك الشأن والسنّ يمنع ضيفه من القيام لبعض الحوائج فإن لم يجد أحداً قام هو بنفسه، ويقول: (نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن أن يستخدم الضيف)[7].
ولرغبته في بقاء الضيف عنده كان لا يساعده على الرحيل عنه، كما صنع ذلك مع قوم من جهينة، فإنه أمر غلمانه ألا يعينوهم على الرحلة، فقالوا له: يا ابن رسول الله لقد أضفت فأحسنت الضيافة، وأعطيت فأجزلت العطيّة، ثمّ أمرت غلمانك ألا يعينونا على الرحلة، فقال(عليه السلام): (إِنّا أهل بيت لا نعين أضيافنا على الرحلة من عندنا)[8].
[1] الكافي للشيخ الكليني: ج6، ص278.
[2] الكافي للشيخ الكليني: ج6، ص279.
[3] الفراني: جمع فرنية، وهو نوع من الخبز يُعمل باللبن والسمن والسكر(لسان العرب 13: 322).
[4] الاخبصة: جمع خبيص، وهو طعام يُعمل من التمر والسمن(القاموس المحيط 2: 300).
[5] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج24، ص296.
[6] الكافي للشيخ الكليني: ج6 ، ص283.
[7] المصدر السابق: ص328.
[8] الأمالي للشيخ الصدوق: ص638 .