وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لهمام

 

يَا هَمَّامُ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْكَيِّسُ الْفَطِنُ بِشْرُه فِي وَجْهِه، وحُزْنُه فِي قَلْبِه، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً، وأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً زَاجِرٌ عَنْ كُلِّ فَانٍ حَاضٌّ عَلَى كُلِّ حَسَنٍ لَا حَقُودٌ، ولَا حَسُودٌ، ولَا وَثَّابٌ، ولَا سَبَّابٌ ولَا عَيَّابٌ ولَا مُغْتَابٌ.

يَكْرَه الرِّفْعَةَ، ويَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلُ الْغَمِّ، بَعِيدُ الْهَمِّ، كَثِيرُ الصَّمْتِ.

وَقُورٌ ذَكُورٌ صَبُورٌ شَكُورٌ مَغْمُومٌ بِفِكْرِه مَسْرُورٌ بِفَقْرِه سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ رَصِينُ الْوَفَاءِ قَلِيلُ الأَذَى.

لَا مُتَأَفِّكٌ ولَا مُتَهَتِّكٌ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَخْرَقْ وإِنْ غَضِبَ لَمْ يَنْزَقْ.

ضِحْكُه تَبَسُّمٌ، واسْتِفْهَامُه تَعَلُّمٌ، ومُرَاجَعَتُه تَفَهُّمٌ، كَثِيرٌ عِلْمُه عَظِيمٌ حِلْمُه كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لَا يَبْخَلُ، ولَا يَعْجَلُ ولَا يَضْجَرُ ولَا يَبْطَرُ، ولَا يَحِيفُ فِي حُكْمِه، ولَا يَجُورُ فِي عِلْمِه.

نَفْسُه أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ، ومُكَادَحَتُه أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ، لَا جَشِعٌ، ولَا هَلِعٌ، ولَا عَنِفٌ، ولَا صَلِفٌ، ولَا مُتَكَلِّفٌ، ولَا مُتَعَمِّقٌ.

جَمِيلُ الْمُنَازَعَةِ، كَرِيمُ الْمُرَاجَعَةِ، عَدْلٌ إِنْ غَضِبَ، رَفِيقٌ إِنْ طَلَبَ، لَا يَتَهَوَّرُ، ولَا يَتَهَتَّكُ، ولَا يَتَجَبَّرُ.

خَالِصُ الْوُدِّ، وَثِيقُ الْعَهْدِ، وَفِيُّ الْعَقْدِ، شَفِيقٌ وَصُولٌ، حَلِيمٌ خَمُولٌ، قَلِيلُ الْفُضُولِ.

رَاضٍ عَنِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ، مُخَالِفٌ لِهَوَاه، لَا يَغْلُظُ عَلَى مَنْ دُونَه، ولَا يَخُوضُ فِيمَا لَا يَعْنِيه.

نَاصِرٌ لِلدِّينِ، مُحَامٍ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، كَهْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا يَخْرِقُ الثَّنَاءُ سَمْعَه، ولَا يَنْكِي الطَّمَعُ قَلْبَه، ولَا يَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَه، ولَا يُطْلِعُ الْجَاهِلَ عِلْمَه.

قَوَّالٌ عَمَّالٌ، عَالِمٌ حَازِمٌ، لَا بِفَحَّاشٍ ولَا بِطَيَّاشٍ، وَصُولٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، بَذُولٌ فِي غَيْرِ سَرَفٍ.

لَا بِخَتَّالٍ، ولَا بِغَدَّارٍ، ولَا يَقْتَفِي أَثَراً، ولَا يَحِيفُ بَشَراً، رَفِيقٌ بِالْخَلْقِ سَاعٍ فِي الأَرْضِ، عَوْنٌ لِلضَّعِيفِ غَوْثٌ لِلْمَلْهُوفِ.

لَا يَهْتِكُ سِتْراً، ولَا يَكْشِفُ سِرّاً، كَثِيرُ الْبَلْوَى، قَلِيلُ الشَّكْوَى.

إِنْ رَأَى خَيْراً ذَكَرَه، وإِنْ عَايَنَ شَرّاً سَتَرَه، يَسْتُرُ الْعَيْبَ، ويَحْفَظُ الْغَيْبَ، ويُقِيلُ الْعَثْرَةَ، ويَغْفِرُ الزَّلَّةَ.

لَا يَطَّلِعُ عَلَى نُصْحٍ فَيَذَرَه، ولَا يَدَعُ جِنْحَ حَيْفٍ فَيُصْلِحَه، أَمِينٌ رَصِينٌ تَقِيٌّ نَقِيٌّ زَكِيٌّ رَضِيٌّ يَقْبَلُ الْعُذْرَ، ويُجْمِلُ الذِّكْرَ، ويُحْسِنُ بِالنَّاسِ الظَّنَّ، ويَتَّهِمُ عَلَى الْعَيْبِ نَفْسَه.

يُحِبُّ فِي اللَّه بِفِقْه وعِلْمٍ، ويَقْطَعُ فِي اللَّه بِحَزْمٍ وعَزْمٍ، لَا يَخْرَقُ بِه فَرَحٌ، ولَا يَطِيشُ بِه مَرَحٌ، مُذَكِّرٌ لِلْعَالِمِ، مُعَلِّمٌ لِلْجَاهِلِ.

لَا يُتَوَقَّعُ لَه بَائِقَةٌ، ولَا يُخَافُ لَه غَائِلَةٌ، كُلُّ سَعْيٍ أَخْلَصُ عِنْدَه مِنْ سَعْيِه، وكُلُّ نَفْسٍ أَصْلَحُ عِنْدَه مِنْ نَفْسِه.

عَالِمٌ بِعَيْبِه شَاغِلٌ بِغَمِّه - لَا يَثِقُ بِغَيْرِ رَبِّه غَرِيبٌ وَحِيدٌ جَرِيدٌ حَزِينٌ يُحِبُّ فِي اللَّه، ويُجَاهِدُ فِي اللَّه لِيَتَّبِعَ رِضَاه، ولَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِه بِنَفْسِه، ولَا يُوَالِي فِي سَخَطِ رَبِّه.

مُجَالِسٌ لأَهْلِ الْفَقْرِ، مُصَادِقٌ لأَهْلِ الصِّدْقِ، مُؤَازِرٌ لأَهْلِ الْحَقِّ، عَوْنٌ لِلْقَرِيبِ، أَبٌ لِلْيَتِيمِ، بَعْلٌ لِلأَرْمَلَةِ، حَفِيٌّ بِأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ.

مَرْجُوٌّ لِكُلِّ كَرِيهَةٍ، مَأْمُولٌ لِكُلِّ شِدَّةٍ، هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ، لَا بِعَبَّاسٍ، ولَا بِجَسَّاسٍ، صَلِيبٌ كَظَّامٌ بَسَّامٌ دَقِيقُ النَّظَرِ عَظِيمُ الْحَذَرِ.

لَا يَجْهَلُ وإِنْ جُهِلَ عَلَيْه، يَحْلُمُ لَا يَبْخَلُ وإِنْ بُخِلَ عَلَيْه، صَبَرَ عَقَلَ فَاسْتَحْيَا، وقَنِعَ فَاسْتَغْنَى.

حَيَاؤُه يَعْلُو شَهْوَتَه، ووُدُّه يَعْلُو حَسَدَه، وعَفْوُه يَعْلُو حِقْدَه، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِ صَوَابٍ، ولَا يَلْبَسُ إِلَّا الِاقْتِصَادِ.

مَشْيُه التَّوَاضُعُ، خَاضِعٌ لِرَبِّه بِطَاعَتِه، رَاضٍ عَنْه فِي كُلِّ حَالاتِه، نِيَّتُه خَالِصَةٌ، أَعْمَالُه لَيْسَ فِيهَا غِشٌّ، ولَا خَدِيعَةٌ.

نَظَرُه عِبْرَةٌ، سُكُوتُه فِكْرَةٌ، وكَلَامُه حِكْمَةٌ، مُنَاصِحاً مُتَبَاذِلاً مُتَوَاخِياً نَاصِحٌ فِي السِّرِّ والْعَلَانِيَةِ.

لَا يَهْجُرُ أَخَاه، ولَا يَغْتَابُه، ولَا يَمْكُرُ بِه، ولَا يَأْسَفُ عَلَى مَا فَاتَه، ولَا يَحْزَنُ عَلَى مَا أَصَابَه، ولَا يَرْجُو مَا لَا يَجُوزُ لَه الرَّجَاءُ، ولَا يَفْشَلُ فِي الشِّدَّةِ ولَا يَبْطَرُ فِي الرَّخَاءِ.

يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ، والْعَقْلَ بِالصَّبْرِ، تَرَاه بَعِيداً، كَسَلُه دَائِماً، نَشَاطُه قَرِيباً، أَمَلُه قَلِيلاً، زَلَلُه مُتَوَقِّعاً لأَجَلِه.

خَاشِعاً قَلْبُه، ذَاكِراً رَبَّه، قَانِعَةً نَفْسُه، مَنْفِيّاً جَهْلُه، سَهْلاً أَمْرُه، حَزِيناً لِذَنْبِه، مَيِّتَةً شَهْوَتُه، كَظُوماً غَيْظَه، صَافِياً خُلُقُه.

آمِناً مِنْه جَارُه، ضَعِيفاً كِبْرُه، قَانِعاً بِالَّذِي قُدِّرَ لَه، مَتِيناً صَبْرُه، مُحْكَماً أَمْرُه، كَثِيراً ذِكْرُه.

يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَعْلَمَ، ويَصْمُتُ لِيَسْلَمَ، ويَسْأَلُ لِيَفْهَمَ، ويَتَّجِرُ لِيَغْنَمَ، لَا يُنْصِتُ لِلْخَبَرِ لِيَفْجُرَ بِه، ولَا يَتَكَلَّمُ لِيَتَجَبَّرَ بِه عَلَى مَنْ سِوَاه.

نَفْسُه مِنْه فِي عَنَاءٍ، والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ، أَتْعَبَ نَفْسَه لآِخِرَتِه فَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِه.

إِنْ بُغِيَ عَلَيْه صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّه الَّذِي يَنْتَصِرُ لَه، بُعْدُه مِمَّنْ تَبَاعَدَ مِنْه بُغْضٌ، ونَزَاهَةٌ ودُنُوُّه مِمَّنْ دَنَا مِنْه لِينٌ ورَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُه تَكَبُّراً، ولَا عَظَمَةً، ولَا دُنُوُّه خَدِيعَةً، ولَا خِلَابَةً، بَلْ يَقْتَدِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَه مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَه مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ.

قَالَ فَصَاحَ هَمَّامٌ صَيْحَةً ثُمَّ وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْه فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَمَا واللَّه لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْه وقَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوْعِظَةُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَه قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ إِنَّ لِكُلٍّ أَجَلاً لَا يَعْدُوه وسَبَباً لَا يُجَاوِزُه فَمَهْلاً لَا تُعِدْ فَإِنَّمَا نَفَثَ عَلَى لِسَانِكَ شَيْطَانٌ.

 

المصدر: الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٢٢٦.