الإمام (عليه السلام) يصل من قطعه

1- تروي لنا سالمه وهي خادمة الإمام الصادق (عليه السلام) تقول: (كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) حِينَ حَضَرَتْه الْوَفَاةُ فَأُغْمِيَ عَلَيْه فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ(عليه السلام): أَعْطُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وهُوَ الأَفْطَسُ سَبْعِينَ دِينَاراً، وأَعْطُوا فُلَاناً كَذَا وكَذَا وفُلَاناً كَذَا وكَذَا، فَقُلْتُ: أتُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ [يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ]، فَقَالَ(عليه السلام): وَيْحَكِ أمَا تَقْرَئِينَ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ(عليه السلام): أمَا سَمِعْتِ قَوْلَ الله عَزَّ وجَلَّ
﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ الله بِه أَنْ يُوصَلَ ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ[1].

فَقَالَ(عليه السلام): أتُرِيدِينَ  أَنْ لَا أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ الله بِه أَنْ يُوصَلَ ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِنَعَمْ يَا سَالِمَةُ إِنَّ الله خَلَقَ الْجَنَّةَ وطَيَّبَهَا وطَيَّبَ رِيحَهَا وإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ ولَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ ولَا قَاطِعُ رَحِمٍ)[2].

2- روي أن الوليد بن صبيح قال: (كنا عند أبي عبد الله(عليه السلام) في ليلة إذ طرق الباب طارق، فقال(عليه السلام) للجارية: انظري من هذا ؟ فخرجت ثم دخلت فقالت: هذا عمك عبد الله بن علي فقال(عليه السلام): أدخليه، وقال لنا: ادخلوا البيت، فدخلنا بيتا.....، فلما دخل أقبل على أبي عبد الله (عليه السلام) فلم يدع شيئا من القبيح إلا قاله في أبي عبد الله(عليه السلام)، ثم خرج وخرجنا، فأقبل(عليه السلام) يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه، فقال بعضنا: لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننا أن أحداً يستقبل به أحداً، حتى لقد همَّ بعضنا أن يخرج إليه فيُوقع به، فقال(عليه السلام): مه لا تدخلوا فيما بيننا.

فلما مضى من الليل ما مضى، طرق الباب طارق فقال(عليه السلام) للجارية: انظري من هذا؟ فخرجت ثم عادت، فقالت: هذا عمك عبد الله بن علي، قال لنا(عليه السلام): عودوا إلى مواضعكم، ثم أَذِن له فدخل بشهيق ونحيب وبكاء وهو يقول: يا ابن أخي اغفر لي غفر الله لك، اصفح عني صفح الله عنك، فقال(عليه السلام): غفر الله لك يا عم، ما الذي أحوجك إلى هذا ؟ قال: إني لمّا أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ثم قال أحدهما للآخر: انطلق به إلى النار، فانطلق بي فمررت برسول الله(صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله لا أعود، فأمره فخلّى عني، وإني لأجد ألم الوثاق، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أوصِ، قال: بم أوصي ما لي مالٌ، وإن لي عيالا كثيرا، وعليّ دين، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): دينك عليّ وعيالك إليّ عيالي فأوصى، فما خرجنا من المدينة حتى مات، فضمّ أبو عبد الله(عليه السلام) عياله إليه، وقضى دينه، وزوج ابنه ابنته)[3]، في هذه القصة درس في سعة الصدر والتحمّل وعدم الارتجال في رد الفعل ومقابلة القوه بالقوة بل محاولة إصلاح قائل الكلام القبيح بالموعظة والعمل.

 


[1] سورة الرعد: آية21.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج7، ص55.

[3] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج46، ص184.