ويناسب ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فقد قال له قائل: ((يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك ولداً ذكراً، قد بلغ مبلغ الحلم، وأنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟)) قال (عليه السلام): لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت. إن العرب كرهت أمر محمد(صلى الله عليه وآله)، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتى قذفت زوجته و نفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت منذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته.
ولولا أن قريش جعلت اسمه ذريعة إلى الرئاسة، وسلماً إلى العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً.
ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً...))[1] إلى آخر ما تقدم عنه (عليه السلام) في أوائل الفصل الأول من المقصد الثاني.
والحاصل: أن ملاحظة وضع المسلمين عند ارتحال النبي(صلى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى، وما تتابع من أحداث مأساوية، يشهد بوهنهم وضعفهم عن الحفاظ على استقامة مسيرة الإسلام أمام ضغط الحزب القرشي ومؤامراته، إما خوفاً منه، أو لعدم تركز الدين في نفوسهم، بحيث ابتلوا بالتواكل والتخاذل واللامبالاة. ولله أمر هو بالغه.
فكان أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه) مضطراً للتعامل معهم بالوجه الذي حصل، والاكتفاء بالحفاظ على ما يمكن أن يكبح به جماح الانحراف في الوقت المناسب، في صراع مرير طويل قدره الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة.
والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وله الأمر من قبل ومن بعد، وإليه يرجع الأمر كله.