اهتمامه (عليه السلام) بشؤون الأمة

  الإمام(عليه السلام) باعتباره المسؤول الأوّل بعد النبي(صلى الله عليه وآله) عن شؤون الأُمّة نجده يتفقّد الرعيّة بما يصلحها ويقوّم ما اعوجّ من أودها، وإبعاد الإمام(عليه السلام) عن مركز المسؤولية العامّة بسبب تأثير السياسات الظالمة، لا يقلّل من اهتمامه في هذا المجال، بحسب ما تسمح به الظروف السياسية والاجتماعية العامة، فعن أبي حنيفة سائق الحاجّ، قال: مرّ بنا المفضل أنا وختني(الخَتَن بفتحتين:كل من كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها، وكذلك زوج البنت أو زوج الأخت) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكنّ أبا عبد الله(عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله(عليه السلام)[1] .

وهذه الحادثة على بساطتها تعطينا المثل الرائع على مدى شعور الإمام(عليه السلام)
بالمسؤولية، واهتمامه بقضايا الأُمّة الحياتية، ودفع ما ربما يوجب الانقسام فيما بينها.

وفي مجال آخر من اهتمامات الإمام بالأمة، يحدثّنا معتب قال: (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله(عليه السلام) وقَدْ تَزَيَّدَ السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ: كَمْ عِنْدَنَا مِنْ طَعَامٍ؟ قَالَ قُلْتُ: عِنْدَنَا مَا يَكْفِيكَ أَشْهُراً كَثِيرَةً، قَالَ: أَخْرِجْه وبِعْه، قَالَ قُلْتُ: لَه ولَيْسَ بِالْمَدِينَةِ طَعَامٌ، قَالَ: بِعْه، فَلَمَّا بِعْتُه قَالَ: اشْتَرِ مَعَ النَّاسِ يَوْماً بِيَوْمٍ، وقَالَ: يَا مُعَتِّبُ اجْعَلْ قُوتَ عِيَالِي نِصْفاً شَعِيراً ونِصْفاً حِنْطَةً، فَإِنَّ الله يَعْلَمُ أَنِّي وَاجِدٌ أَنْ أُطْعِمَهُمُ الْحِنْطَةَ عَلَى وَجْهِهَا، ولَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَانِيَ الله قَدْ أَحْسَنْتُ تَقْدِيرَ الْمَعِيشَةِ)[2] .

فالإمام(عليه السلام) لا يريد أن يكون في معزل عن واقع الناس بما يزخر به من مشاكل وآلام، بل يريد لنفسه أن يكون واحداً منهم، فهو يشاركهم مسؤوليات الحياة بما تفرضه تقلّبات الأحوال وانعكاساتها على الصعيد العام، والمسؤولية التي تحمّلها الإمام هنا:

أولاً: بعرض ما توفّر لديه من الغلاّت في السوق، مشاركة منه بحلّ جزء ولو يسير من مشكلة فقدان المادة الأوّلية للعيش، وتوجيهاً عملياً للآخرين من أجل أن يقاوموا في أنفسهم عوامل الاحتكار والأثرة التي قد تتسبّب عنها كارثة اجتماعية واقتصادية عامة...

وثانياً: بمساواته لنفسه وعياله حياتياً مع الآخرين فيما يصيبهم من ضيق وعناء... وهذا أقصى ما يتمكّن به الإمام(عليه السلام) من مشاركة واهتمام في هذا المجال.

 


[1] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص209.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج5 ، ص166.