الأول: حفظ كيان الإسلام العام، الذي بذل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمناصحون من أصحابه جهوداً جبارة من أجله، لتبقى دعوة الإسلام الشاملة بين مجموعة كبيرة من الناس ذات قوة وعدد، بحيث تسعى لنشره والدفاع عنه، ولو من أجل مصالحها وامتيازاتها. وقد ورد أن الله عز وجل ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم[1].
كل ذلك من أجل أن يتسنى للأمم البعيدة سماع دعوته، والتعرف عليها، والنظر فيها، والاهتداء بها، برغم السلبيات التي يفرزها الانحراف ليكون الدخول في الإسلام - بكيانه العام - مفتاحاً لمعرفة الإسلام الأصيل والمذهب الحق بعد الاطلاع على اختلاف المسلمين، والاستئناس بتعاليمهم وأدلتهم.
أما مع انهيار كيان الإسلام العام - بالردة العامة ونحوها - فلا يتيسر لتلك الأمم الاطلاع على الدين الحق والفرقة الناجية، حتى لو بقيت الثلة الصالحة من حملته، لقلتهم وعجزهم عن اكتساح القوى الهائلة المناهضة للإسلام، والاصطدام بها، والانتشار في فجاج الأرض.
اهتمامه (عليه السلام) بالحفاظ على حياته وحياة الثلة الصالحة
الثاني: الحفاظ على حياته (صلوات الله عليه) وحياة الثلة الصالحة من شیعته، ممن آمن بالإسلام الحق بإخلاص، وتفهم، واستعداد للتضحية. من أجل أن يحمل هو (عليه السلام) وهذه الثلة الإسلام الحق من دون تحريف وتشويه، ليتسنى لهم - في الوقت المناسب - تعريف عامة المسلمين به، سواء من كان منهم مسلماً عند انتقال النبي (صلى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى، أم من يدخل بعد ذلك في الإسلام. ثم تهيئة ثلة تحمل دعوة الإسلام الحق، لتبشر به وتهيئ الحَمَلة له، وهكذا ما بقيت الدنيا.
لتبقى هذه الدعوة مسموعة في الأرض، ولا يقضى عليها بالقضاء على حملتها في مبدأ الانحراف والانشقاق، كي لا ينفرد الإسلام المشوه بالساحة. وقد تعرضنا لذلك بشيء من التوضيح في خاتمة كتابنا (أصول العقيدة).
وبذلك يظهر أنه لا مجال لقيام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بتضحية شبيهة بتضحية الإمام الحسين (عليه السلام).
[1] تهذيب الأحكام ج: ٦ ص: ١٣٤، مستدرك الوسائل ج: ١١ ص: ١٥، صحیح ابن حبان ج: ۱۰ ص: ٣٧٦ كتاب السير: ذكر البيان بأن الأمراء وإن كان فيهم ما لا يحمد فإن الدين قد يؤيد بهم. السنن الكبرى للنسائي ج: ٥ ص: ۲۷۹ كتاب السير: إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر، مسند أحمد ج: ٥ ص: ٤٥ حديث أبي بكرة. مجمع الزوائد ج: 5 ص: ۳۰۲ كتاب الخلافة: باب فيمن يؤيد بهم الإسلام من الأشرار. المعجم الأوسط ج: ٢ ص: ٢٦٩، ج: ٣ ص: ١٤٢. وغيرها من المصادر الكثيرة.