من مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبّه للتواضع وهو سيد المسلمين، وكان من تواضعه أنه كان يجلس على الحصير، ويرفض الجلوس على الفرش الفاخرة، وكان ينكر ويشجب المتكبرين حتّى قال ذات مرة لرجل من إحدى القبائل: (من سيد هذه القبيلة؟ فبادر الرجل قائلا: أنا، فأنكر الإمام(عليه السلام) ذلك، وقال له: لو كنت سيدهم ما قلت: أنا..)[1].
ومن مصاديق تواضعه ونكرانه للذات: (نُقِل أنه كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا(عليه السلام)ففقده فسأل عنه فقال له رجل - يريد أن يستنقص به -: إنه نبطي فقال جعفر(عليه السلام): أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون، فاستحيا ذلك القائل)[2].
ومن تواضعه ما رواه أبو بصير قال: (دَخَلَ أَبُو عَبْدِ الله(عليه السلام) الْحَمَّامَ فَقَالَ لَه صَاحِبُ الْحَمَّامِ أُخْلِيه لَكَ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ)[3].
وهذه الحادثة على بساطتها، لا ينبغي أن نمرّ عليها من غير أن نفهم المغزى البعيد الذي يرمي إليه الإمام(عليه السلام) في سلوكه الإنساني منها، فقد دأب الكبار من ذوي المقامات العالية من الناس، على تجنّب الاختلاط بالعامة في مثل هذه الموارد ترفّعاً وكِبَراً، وشعوراً منه بالامتياز والطبقية، ولكنّ الإمام(عليه السلام) أراد أن يثبت للآخرين عملياً، أنّ رفعة الإنسان وامتيازه إنّما هي بقيَمه ومُثله، وبإنسانيّته الفاضلة التي ترتفع به إلى المستوى اللائق به.
أمّا فيما يرجع للحياة العادية وقضايا العِشرة، فإنّ على الإنسان أن لا يظلم الآخرين بسلوكه المتميّز، ليشعرهم بالتفاوت الطبقي الذي يمزّق الوحدة الاجتماعية، ويفتّت القاعدة الأساسية التي يقوم عليها بناؤها المتماسك، وهي التلاحم المتمثّل بالإيمان والمحبّة والمساواة.