كان الإمام الصادق(عليه السلام) على جانب كبير من سمو الأخلاق، فقد ملك القلوب، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت امتداداً لأخلاق جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي سما على سائر النبيين بمعالي أخلاقه.
ومن مكارم أخلاق الإمام وسموِّ ذاته أنه كان(عليه السلام) يجازي المسيئين بالإحسان، ويعفو عمن أساء إليه ويدعو له، فهو القائل: (إنا أهل بيت مروءتنا العفو عمن ظلمنا)[1].
لقد عانى الإمام الصادق(عليه السلام) الأشدّ من تجاوزات أرحامه من جهة، والسلطة الحاكمة من جهة أُخرى، ومن المناوئين له والحاقدين عليه من جهة ثالثة، ولكنّه كان يقابل الإساءة منهم بالحسنى، والعنف والشدّة منهم باللين، تمشّياً مع خلق القرآن وتعاليمه ﴿ْإدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِّئَةَ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾[2].
فمن الصور المشرقة لحلمه ما يروى (أن رجلا من الحجاج توهّم أن هميانه قد ضاع منه، فخرج يفتّش عنه فرأى الإمام الصادق(عليه السلام) يصلّي في الجامع النبوي فتعلّق به، ولم يعرفه، وقال له: أنت أخذت همياني..؟ فقال له الإمام بعطف ورفق: ما كان فيه؟..
قال: ألف دينار، فأعطاه الإمام ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له: شيء خرج من يدي فلا يعود إليّ، فبهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: لا جرم هذا فعال أمثاله)[3]، إن شرف الإمام (عليه السلام) الذي لا حدود له هو الذي دفعه إلى تصديق الرجل ودفع المال له.
وأيضا يروى عن حماد اللحام قال: (أتى رجل أبا عبد الله(عليه السلام) فقال: إن فلانا - ابن عمك- ذكرك، فما ترك شيئا من الوقيعة والشتيمة إلا قاله فيك، فقال أبو عبد الله(عليه السلام) للجارية: إيتيني بوَضوء، فتوضأ ودخل، فقلت في نفسي يدعو عليه، فصلى ركعتين، فقال: يا رب هو حقي قد وهبته[له] وأنت أجود مني وأكرم، فهبه لي ولا تؤاخذه بي ولا تقايسه، ثم رق فلم يزل يدعو فجعلت أتعجب)[4].
وهكذا يتّخذ الإمام(عليه السلام) من حلمه رسالة ينفذ بها إلى أخطاء الآخرين وتجاوزاتهم، في عملية تصحيح رقيقة، تعكس الأُسلوب الإسلامي الهادئ في العمل الهادف من أجل حمل الآخرين على الانفتاح على روح الرسالة، والتمسّك بمُثلِها الأخلاقية وقيمها الإنسانية.